وأخيراً هبت علينا رياح العولمة، هلا
الخميس والجمعة؟
كل التبريرات التي رفعها
المسؤولون لإضافة السبت إلى عطلة نهاية الأسبوع – الجمعة – لتصبح العطلة يومين
ليست متعلقة بالسبت، وإنما تنسحب على سائر أيام العمل الرسمية، سوى علة عليلة،
ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب، وهي أن المصارف في أمريكا وأوربا تعطل
السبت والأحد، فإذا أضفنا الخميس إلى الجمعة مثلاً، إن كانت هناك حاجة ماسة تدعو
لذلك، أصبحت أيام التعامل مع تلك المصارف ثلاثة أيام فقط، وهي الإثنين والثلاثاء
والأربعاء، وهذا سيكون له أثره السلبي على التعامل المالي وعلى اقتصاد البلد. هذه
العلة، وهذا التبرير لا يساوي الخسارة الفادحة في إضافة السبت – عيد اليهود – إلى
عيدنا نحن المسلمين في الدنيا والآخرة الجمعة – يوم المزيد – لنهي رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن التشبه بأهل الكتابين، المغضوب عليهم والضالين، وتحذيره الشديد
لأمته عن ذلك، لما في ذلك من الخذلان والخسران المبين.
أيها المسؤولون، لا تحسبوا
هذا التصرف هيناً فهو عند الله عظيم، وعاقبته وخيمة، وخسارته الدنيوية والأخروية
جسيمة، ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نحن الآخرون
الأولون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا، ثم هذا يومهم الذي
فرض الله عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، والناس لنا فيه تبع، اليهود غداً،
والنصارى بعد غدٍ".1
لقد قدمنا الله على اليههود
والنصارى، فلماذا نرجع القهقرى؟ ونهانا عن تبعيتهم، فلماذا نرضى الدنية في ديننا؟
وحذرنا من التشبه بهم وتقليدهم، سيما فيما يتعلق بدينهم، فلماذا نتساهل في ذلك؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله في خطورة التشبه بالكفار: (مشابهتهم فيما ليس من شرعنا قسمان:
أحدهما: مع العلم بأن هذا
العمل هو من خصائص دينهم2،
فهذا العمل الذي هو من خصائص دينهم:
وكل هذا لا شك في تحريمه،
لكن يبلغ التحريم في بعضه إلى أن يكون من الكبائر، وقد يصير كفراً بحسب الأدلة
الشرعية).3
الشاهد من كلامه فيما يتعلق
بموضوع بحثنا هذا قوله: (وإما لشبهة فيه تخيل أنه نافع في الدنيا والآخرة، وكل هذا
لا شك في تحريمه..) إلخ.
الذي يغلب على ظننا أن الذي
يدفع المسؤولين لاتخاذ هذا القرار الخطر، واقتحام هذه اللجة، وهي شبهة أنه نافع
لاقتصادنا وميسر لتعاملنا مع المصارف الخارجية، وهذا أقل درجاته أن يكون حراماً
شديد الحرمة.
روى الإمام أحمد، والنسائي،
وابن أبي عاصم عن كريب مولى ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أرسلني ابن عباس
وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة رضي الله عنها، أسألها أي
الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها صياماً؟ قالت: كان يصوم يوم السبت
ويوم الأحد أكثر ما يصوم من الأيام، ويقول: إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أحب أن
أخالفهم".4
وقال ابن تيمية مستنبطاً من
الحديث عن الجمعة "فهو لنا": (ثم إنه في هذا الحديث ذكر أن الجمعة لنا،
كما أن السبت لليهود، والأحد للنصارى، واللام تقتضي الاختصاص.. فإذا نحن شاركناهم5
في عيدهم يوم السبت، أوعيد يوم الأحد، خالفنا هذا الحديث).6
يخشى المرء أن يكون الدافع
الأساس للتعطيل يوم السبت بجانب هذه الشبهة السابقة هو الانخراط أوالانحدار في
منظومة العولمة التي فرضتها دول الاستكبار لتحكم سيطرتها على كل العالم، سيما
العالم الإسلامي، ولتستكمل تبعيتهم لهم في كل مناحي الحياة المختلفة، سياسياً،
واقتصادياً، واجتماعياً، بدءاً بفرض النظام الديمقراطي الذي يقوم على أنقاض
الإسلام، ومروراً بالخضوع والإذعان إلى قرارت المنظمة الدولية – التي أصبحت أداة
في أيديهم – وما يتفرع منها، نحو الالتزام بقرارات اتفاقية "سيداو" وما
شاكلها، وانتهاءً بالعطل والأعياد.
من النتائج الخبيثة لانفراد
أمريكا وأذيالها بدعة النظام العالمي الجديد التي تمخضت في برامج العولمة التي لا
تعدو أن تكون نوعاً من أنواع الاستعمار والحرب الصليبية، من غير خوض معارك إلا في
بعض الحالات.
هذا التكالب – تكالب قوى
الشر على الإسلام والمسلمين – تنبأ به صاحب الشرع، وبين سببه، وهو الوهن بسبب
الغثائية، الناتجة عن حب الدنيا وكراهية الموت.
عن ثوبان رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى
الأكلة على قصعتها"، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذ
كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل! ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن
الله في قلوبكم الوهن"، فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: "حب
الدنيا وكراهية الموت".7
اعلموا أيها المسلمون
حكاماً ومحكومين أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بتمسكها بدينها، واعتدادها به، وأن
من طلب العزة في غير الإسلام أذله الله، وتذكروا ما قرره ربكم ومولاكم:
"وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ
مِلَّتَهُمْ"8، وأن التنازلات عن الدين، عن المبادئ
والمسلمات ليس له نهاية، فمن أراد أن يموت وهو مسلم فليحذر من سلوك هذا المسلك
الخطر، ومن كان مستعداً للتنازل عن دينه فليسلك هذا السبيل، ولن يضر والله إلا
نفسه.
واعلموا أن دين الله محفوظ،
وأن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، وأنه لا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرة على
الحق لا يضرها من خالفها ولا من خذلها حتى يأتي أمر الله، كما أخبر الصادق
المصدوق، واحذروا العولمة ورياحها فإنها لا تأتي بخير قط.
والحمد لله رب العالمين،
والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين والمبدلين لشرع الله، وصلى الله
وسلم وبارك على رسولنا، وآله، وصحبه، والتابعين.
اللهم هل بلغت؟ اللهم
فاشهد.
الخميس والجمعة؟
كل التبريرات التي رفعها
المسؤولون لإضافة السبت إلى عطلة نهاية الأسبوع – الجمعة – لتصبح العطلة يومين
ليست متعلقة بالسبت، وإنما تنسحب على سائر أيام العمل الرسمية، سوى علة عليلة،
ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب، وهي أن المصارف في أمريكا وأوربا تعطل
السبت والأحد، فإذا أضفنا الخميس إلى الجمعة مثلاً، إن كانت هناك حاجة ماسة تدعو
لذلك، أصبحت أيام التعامل مع تلك المصارف ثلاثة أيام فقط، وهي الإثنين والثلاثاء
والأربعاء، وهذا سيكون له أثره السلبي على التعامل المالي وعلى اقتصاد البلد. هذه
العلة، وهذا التبرير لا يساوي الخسارة الفادحة في إضافة السبت – عيد اليهود – إلى
عيدنا نحن المسلمين في الدنيا والآخرة الجمعة – يوم المزيد – لنهي رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن التشبه بأهل الكتابين، المغضوب عليهم والضالين، وتحذيره الشديد
لأمته عن ذلك، لما في ذلك من الخذلان والخسران المبين.
أيها المسؤولون، لا تحسبوا
هذا التصرف هيناً فهو عند الله عظيم، وعاقبته وخيمة، وخسارته الدنيوية والأخروية
جسيمة، ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نحن الآخرون
الأولون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا، ثم هذا يومهم الذي
فرض الله عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، والناس لنا فيه تبع، اليهود غداً،
والنصارى بعد غدٍ".1
لقد قدمنا الله على اليههود
والنصارى، فلماذا نرجع القهقرى؟ ونهانا عن تبعيتهم، فلماذا نرضى الدنية في ديننا؟
وحذرنا من التشبه بهم وتقليدهم، سيما فيما يتعلق بدينهم، فلماذا نتساهل في ذلك؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله في خطورة التشبه بالكفار: (مشابهتهم فيما ليس من شرعنا قسمان:
أحدهما: مع العلم بأن هذا
العمل هو من خصائص دينهم2،
فهذا العمل الذي هو من خصائص دينهم:
- إما أن يفعل لمجرد موافقتهم – وهو قليل.
- وإما لشهوة تتعلق بذلك العمل.
- وإما لشبهة فيه، تخيل أنه نافع في الدنيا أوالآخرة.
وكل هذا لا شك في تحريمه،
لكن يبلغ التحريم في بعضه إلى أن يكون من الكبائر، وقد يصير كفراً بحسب الأدلة
الشرعية).3
الشاهد من كلامه فيما يتعلق
بموضوع بحثنا هذا قوله: (وإما لشبهة فيه تخيل أنه نافع في الدنيا والآخرة، وكل هذا
لا شك في تحريمه..) إلخ.
الذي يغلب على ظننا أن الذي
يدفع المسؤولين لاتخاذ هذا القرار الخطر، واقتحام هذه اللجة، وهي شبهة أنه نافع
لاقتصادنا وميسر لتعاملنا مع المصارف الخارجية، وهذا أقل درجاته أن يكون حراماً
شديد الحرمة.
روى الإمام أحمد، والنسائي،
وابن أبي عاصم عن كريب مولى ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أرسلني ابن عباس
وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة رضي الله عنها، أسألها أي
الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها صياماً؟ قالت: كان يصوم يوم السبت
ويوم الأحد أكثر ما يصوم من الأيام، ويقول: إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أحب أن
أخالفهم".4
وقال ابن تيمية مستنبطاً من
الحديث عن الجمعة "فهو لنا": (ثم إنه في هذا الحديث ذكر أن الجمعة لنا،
كما أن السبت لليهود، والأحد للنصارى، واللام تقتضي الاختصاص.. فإذا نحن شاركناهم5
في عيدهم يوم السبت، أوعيد يوم الأحد، خالفنا هذا الحديث).6
يخشى المرء أن يكون الدافع
الأساس للتعطيل يوم السبت بجانب هذه الشبهة السابقة هو الانخراط أوالانحدار في
منظومة العولمة التي فرضتها دول الاستكبار لتحكم سيطرتها على كل العالم، سيما
العالم الإسلامي، ولتستكمل تبعيتهم لهم في كل مناحي الحياة المختلفة، سياسياً،
واقتصادياً، واجتماعياً، بدءاً بفرض النظام الديمقراطي الذي يقوم على أنقاض
الإسلام، ومروراً بالخضوع والإذعان إلى قرارت المنظمة الدولية – التي أصبحت أداة
في أيديهم – وما يتفرع منها، نحو الالتزام بقرارات اتفاقية "سيداو" وما
شاكلها، وانتهاءً بالعطل والأعياد.
من النتائج الخبيثة لانفراد
أمريكا وأذيالها بدعة النظام العالمي الجديد التي تمخضت في برامج العولمة التي لا
تعدو أن تكون نوعاً من أنواع الاستعمار والحرب الصليبية، من غير خوض معارك إلا في
بعض الحالات.
هذا التكالب – تكالب قوى
الشر على الإسلام والمسلمين – تنبأ به صاحب الشرع، وبين سببه، وهو الوهن بسبب
الغثائية، الناتجة عن حب الدنيا وكراهية الموت.
عن ثوبان رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى
الأكلة على قصعتها"، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذ
كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل! ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن
الله في قلوبكم الوهن"، فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: "حب
الدنيا وكراهية الموت".7
اعلموا أيها المسلمون
حكاماً ومحكومين أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بتمسكها بدينها، واعتدادها به، وأن
من طلب العزة في غير الإسلام أذله الله، وتذكروا ما قرره ربكم ومولاكم:
"وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ
مِلَّتَهُمْ"8، وأن التنازلات عن الدين، عن المبادئ
والمسلمات ليس له نهاية، فمن أراد أن يموت وهو مسلم فليحذر من سلوك هذا المسلك
الخطر، ومن كان مستعداً للتنازل عن دينه فليسلك هذا السبيل، ولن يضر والله إلا
نفسه.
واعلموا أن دين الله محفوظ،
وأن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، وأنه لا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرة على
الحق لا يضرها من خالفها ولا من خذلها حتى يأتي أمر الله، كما أخبر الصادق
المصدوق، واحذروا العولمة ورياحها فإنها لا تأتي بخير قط.
والحمد لله رب العالمين،
والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين والمبدلين لشرع الله، وصلى الله
وسلم وبارك على رسولنا، وآله، وصحبه، والتابعين.
اللهم هل بلغت؟ اللهم
فاشهد.