روى أبو نعيم الأصفهاني في كتاب حلية الأولياء ، وابن الجوزي في صفة الصفوة وابن قدامة المقدسي في كتاب الرقة والبكاء قالوا قال جعفر بن زيد: خرجنا في غزاة إلى كابل وفي الجيش صلة بن أشيم فنزل الناس عند العتمة فصلوا ثم اضطجع فقلت: لأرمقنّ عمله، فالتمسَ غفلة الناس فانسلّ وثبا فدخل غيطة (مجموعة أشجار ملتفة) قريب منا، فدخلت على أثره ، فتوضأ ثم قام يصلي ، فجاء أسد حتى دنا منه ، فصعدت شجرة ، فلم يلتفت صلة إليه ، أتراه لم يره أم عدّه جرواً! . فلما سجد قلت : الآن يفترسه . فجلس ثم سلّم ثم قال: ( أيها السبع اطلب الرزق من مكان آخر)، فولّى وإن له زئيراً، فمازال كذلك يصلي حتى كان الصبح . فجلس يحمد الله وقال: (اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار ، ومثلي يستحي أن يسألك الجنة)! ثم رجع وأصبح وكأنه بات على حشاياً ( مرتاحاً في نومه) ، أما أنا فأصبح بي ما الله به عليم من هول ما رأيت. بعضهم علّق على القصة مستنكراً ، فكان لي تعليق على تعليقهم . أولاً: بعضهم لم يعجبه تتبع جعفر لصلة بن أشيم فقد عده متجسساً ، ولم يك جعفر راوي االقصة كذلك ، ولكنه أراد من اتباع صلة بن أشيم أن يرى ماسيفعل من العبادة والقيام لأنه اشتهر بذلك ، فلعله يتأسى به ، ولا أرى ذلك يدخل تحت باب التجسس ، وأنا أعلم غير واحد من السلف فعل مثل هذا ليستفيد من عمل الصالحين ،ويتأسى بهم ، والله أعلم ثانياً : عاب بعضهم على صلة طول القيام ، والله تعالى يمدح على قيام الليل الطويل بقوله : "كانوا قليلاً من الليل مايهجعون ، وبالأسحار هم يستغفرون" فهذا دأب المقربين . ثالثاً : ثم إن صلة كان عالماً جليلاً ومحدثاً كبيراً ، وورعاً شديد الورع إلى درجة أنه لم يكن يأكل من مال أبيه عندما عينه الخليفة عاملاً ( والياً ) على إحدى المدن خشية الوقوع في الشبهة لا الحرام كما روى عنه ابن الجوزي وغيره ، - وفرق كبير بين الشبهة والحرام . وعلى هذا فقد كان عالماً عاملاً . وقد روى عنه أبو نعيم وابن قدامة أنه لما حضر المعركة ، وقف على مرج منبسط فقال ، ما أحسن أن يقتل المرء ههنا في سبيل الله ، فلما انجلت المعركة وجدوه قتيلاً في المكان الذي أشار إليه وقتل بعده أبوه - على إحدى الروايات - وذلك في فتح كابل رابعاً : قال بعضهم : كيف يستحيي الرجل من الله أن يطلب الجنة ، وقد أُمرنا أن نستعيذ بالله من النار ونطلب الجنة ؟! ولم تراه يدين نفسه ويستقل عمله ؟! وهو من هو في العبادة والزهد؟ فأقول : الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والرسول صلى الله عليه وسلم حين أخبر المسلمين أنه ما من أحد يدخل الجنة بعمله ، بل برحمة الله تعالى قالوا : له : حتى أنت يا رسول الله ؟ قال : " حتى أنا إن لم يتغمدني الله برحمته " . وكلنا نعلم أن سيدنا عمر بن الخطاب وهو المبشر بالجنة ، وهو من هو من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : ياليت أم عمر لم تلد عمر ، وكان يقول : الويل لي ثم الويل لي إن لم يغفر لي ربي ، كان يقول هذا وهو يتشحط بدمه وهو يعلم أنه شهيد – كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشره بالشهادة عندما اهتز أحد وعليه رسول الله وأبو بكر وعمر وعثمان ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : اثبت أحد ، اثبت ، فإن عليك نبياً وصدّيقاً وشهيدين ، ولما جاءعمرَ شابٌّ من الأنصار وراح يهدئ من روعه ويذكره أنه من السابقين الأولين، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو عنه راض وأنه لم يغير ولم يبدل و... فقال له عمر : جزاك الله عني خيراً يابني ، والله لقد تمنيت أن أخرج منها كفافاً لاعلي ولا لي . و ليس هذا بدعاً من الأمر ، فالله تعالى يقول " : يدعون ربهم خوفاً وطمعاً " ، ويقول سبحانه : " يدعوننا رغباً ورهباً ، وكانوا لنا عابدين " فهناك من غلبت عليه الرهبة والخوف ، وهناك من غلب عليه الرجاء .. وفي كل خير إن شاء الله وقد ورد عن سفيان الثوري أنه بكى عند موته ، فقال له أحد أصحابه : لماذا تبكي ياسفيان ؟ لعلك أسرفت على نفسك؟ فأمسك تبنة ( قطعة علف للماشية ) فقال : والله إن ذنوبي أهون علي في جنب عفو الله تعالى من هذه التبنة ، ولكني أخشى أن أُنزع الإيمانَ عند الموت ، فقال له ، أبشر برحمة الله تعالى فإنك كنت عالماً صواماً قواماً .. فقال له : أترى أن الله يغفر لي ويثبتني ويعفو عني؟ يا سبحان الله ، فأين نحن من هؤلاء؟! خامساً : لا ينبغي أن نستنكر : تسخير كل شيء للمؤمن التقي ، فقد سخر الله تعالى لهذا الرجل صلة بن أشيم الأسد يحرسه في صلاته . ، وقد ذكر البخاري رضي الله عنه الحديث التالي في أولياء الله: (...فإذا أحببته صرت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ) وهو حديث كل رواته شاميون ، وقد قال فيه المحدثون إنه أشرف أحاديث أهل الشام .. فمن صار الله تعالى سمعه وبصره ويده ورجله ، بمعنى موجهاً لهذه الأعطاء فيما يرضيه تعالى ، ثم إن سأله أعطاه ، وإن استعاذ به أعاذه ، أليس هذا تسخيراً للأشياء في خدمته ؟ أم ماذا ترى ؟ ولا ينبغي أن ننسى في خضم الحياة المادية - ولو جزئياً - أن المؤمن عليه أن لايعلق السبب بالنتيجة حتماً إلا أن يشاء الله الذي بيده تصريف الأمور ، وبيده ملكوت كل شيء ... وإلا ما جاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خوف أن يخسر الحرب لأن المسلمين دائماً كانوا أقل من العدو عدداً وعُدّة ، فالعبرة ليست بالكثرة فيهما . علينا أن نُعِدّ ما استطعنا .. ونحن نعلم أن النصر من عند الله ، وأن علينا أن نأخذ بالأسباب ونعتمد على الله لا على الأسباب. ثم لماذا نستنكر أن يحدث هذا مع الرجل ، وقد حدث قبله مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن محمد بن المنكدر : (أن " سفينة " مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ركبت البحر فانكسرت سفينتي التي كنت فيها ، فتعلقت لوحاً من ألواحها فطرحني اللوح في أجمة فيها الأسد فأقبل إلي يريدني فقلت : يا" أبا الحارث" - وهو اسم من أسماء الأسد - أنا مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فطأطأ رأسه ، و أقبل إلي ، فدفعني بمنكبه حتى أخرجني من الأجمة ، ووضعني على الطريق ، وهمهم . فظننت أنه يودعني ، فكان ذلك آخر عهدي به. رواه الحاكم في المستدرك وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم. فإن قلت : سفينة هذا صحابي . قلت لك : وهذا وليّ خرج مجاهداً في سبيل الله ، ولإعلاء كلمة الإسلام ، فوجه التشابه بينهما كبير ، والله أعلم سادساً : عزوت القصة إلى مصادرها ولكم أن تتأكدوا من صحتها ، ثم تقبلوها أولا ، ومن أسند فقد أعذر . |
قصة وتعليق
الشيخ مصطفى- رئيس مجلس إدارة المنتدى
- عدد المساهمات : 1147
- مساهمة رقم 1