الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أحمده سبحانه على ما أنعم من النعم الباطنة والظاهرة، والآلاء الجسيمة الباهرة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
((يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) [النساء:1].
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102].
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب:70-71].
أما بعــــد:
أيها المسلمون! هذه الخطبة في سيرة ثالث الخلفاء الراشدين، وقبل البدء أقول: إن سيرة عثمان رضي الله عنه حرية بالبحث الممحَّصِ الهادئ؛ ليُكشَفَ ما سترته الأقاصيص العابثة من فضائل، وما شوهته الروايات المدسوسة من محاسن.
أيها المسلمون! نقف وإياكم اليوم -إن شاء الله- مع أمير البررة، وقتيل الفجرة، العظيم الذي حمل مسئوليته في عزم مجيد ورشيد، وحين لم يجد ما يحمي به مسئولياته سوى حياته، جاد بها في سماح منقطع النظير، إنه مهاجر الهجرتين، وأول المهاجرين.
إنه عثمان بن عفان ذو النورين أمير المؤمنين، المعطاء السخي الجواد، والمموّل الكريم للأمة الجديدة، والدين الجديد.. فسلوا جيش العُسْرَة، وسلوا بئر رَوْمَة، واسمعوا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم له بعد ذلك: (ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم) مرتين..
قال ابن شهاب: «قدَّم عثمان لجيش العسرة في غزوة تبوك تسعمائة وأربعين بعيراً، وستين فرساً أتم بها الألف». إنه عثمان المهاجر من ماله وجاهه.. إنه البذْل السخي والعطاء المدرار.
إنه الزاهد الأواب الرحيم، قال شُرَحْبيلُ بن حَسَنة عنه: (كان يطعم الناس طعام الإمارة، ويدخل بيته فيأكل الخل والزيت)، وقال عبد الله بن شداد: (رأيت عثمان يخطب يوم الجمعة وعليه ثوب قيمته أربعة دراهم، وإنه يومئذٍ لأمير المؤمنين، وهو أكثر قومه مالاً وثراءً ونعمة في الجاهلية والإسلام).
إنه عثمان البكَّاء الذي قرأ القرآن كله في ركعة وذلك كل ليلة.. إنه الذي نزل فيه قول الله تبارك وتعالى: ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ)) [الزمر:9]، عبادة صافية، ومثابرة وافية، امتلأت بها حياة عثمان منذ عرف الله إلى أن لقيه مظلوماً شهيداً.
قيل عنه: كان يصوم الدهر إلا ما نُهي عنه، ويقوم الليل إلا هَجْعَة في أوله.
إنه عثمان الرحيم الذي تَشيعُ الرحمة في حياته، وتكون نبراساً لكل تصرفاته العادية، والتي تتوقف عليها أمر الحياة والموت.. كانت الرحمة نبراس تلك التصرفات جميعها.
عثمان بن عفان الخليفة الطاعن في السن الذي يرفض أن يُوْقِظَ أحداً من خدمه كي يُعدَّ له وضوءه، ويتمايل على شيخوخته لإحضار الماء وإسباغ الوضوء، ولما اشتد حصار أهل الفتنة لداره، قال للصحابة الذين تجمعوا حول داره ليواجهوا أهل الفتنة بالسلاح: (إن أعظمكم عني غَنَاءً رجلٌ كف يده وسلاحه)، ويقول لأبي هريرة رضي الله عنه وقد جاء شاهراً سلاحه مدافعاً عنه: (أما إنك والله لو قتلت رجلاً واحداً لكأنما قتلت الناس جميعاً).
ويقول للحسن والحسين، وابن عمر، وابن الزبير، وشباب الصحابة رضي الله عنهم الذين أخذوا مكانهم لحراسته: (أناشدكم الله وأسألكم به ألا تراق بسببي مِـحْجَمَةُ دمٍ).
قال ابن عمر: (جاء علي إلى عثمان يوم الدار وقد أغلق الباب، ومعه الحسن بن علي وعليه سلاحه، فقال للحسن: ادخل إلى أمير المؤمنين وأقرئه السلام، وقل له: إنما جئت لنصرتك فمرني بأمرك، فدخل الحسن ثم خرج، فقال لأبيه: إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول لك: لا حاجة لي في قتالٍ وإهراق الدماء، قال: فنزع علي عمامة سوداء فرمى بها بين يدي الباب وجعل ينادي: ((ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ)) [يوسف]).
لله درك يا عثمان!! رحمة جامعة تغطي جلائل الأحداث، فللخادم منها حظه وحقه في أن ينعم براحة النوم، وإن أضنى الخليفة نفسه وشيخوخته في ظلمة الليل البهيم.. ولقطرات الدم حظها وحقها في أن تنعم بالسلامة والعافية، وإن كان بديل ذلك أن تزهق روح الخليفة الشيخ بيد معتد أثيم، وغادر زَنَيم.
لقد توغلت الرحمة في حياته وفي سلوكه حتى اقتضته آخر الأمر حياته نفسها فجاد بها.
عباد الله! مع هذه الرحمة الكبيرة بالمؤمنين من عثمان؛ فقد كان مجاهداً وفدائياً من الطِرَازِ الأول، ولقد كان رضي الله عنه آية من آيات البطولة التي أبرزها موقفه الرائع مع النَّفَرِ القليل الذين ثبتوا حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة حنين، فساعة انهزم المسلمون في تلك المعركة وفروا من الميدان مسرعين، لم يثبت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا نفر قليل كان عثمان أحدهم، فرضي الله عنك يا عثمان في كل موقف وقفته في سبيل الله، من أجل أن ترتفع راية التوحيد في دنيا الخافقين.
ولقد عرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعثمان أياديه البيضاء في سبيل الله، فاختاره ليكون كاتب وحيه وكاتم سره، وتلك شهادة كبرى بأمانته وعفته وصدقه ووفائه.
واختاره صلى الله عليه وآله وسلم ليكون أول سفير في الإسلام بين دولة الإسلام وزعماء الكفر من قريش، وبهذه السفارة برزت مكانة عثمان في قريش، وظهر مركزه الرفيع بين رجالات الإسلام، ورتبته السامية بين مراتب الصحابة، ولما احتبسته قريشٌ أُشِيْعَ أنه قتل، فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشد الغضب، ونادى من كان معه من أصحابه -وهم ألف وخمسمائة- ليبايعوه على الموت، ويعاهدوه على قتال قريش انتقاماً لعثمان، وبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن عثمان رضي الله عنه بإحدى يديه، فكانت يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيراً من يد عثمان لنفسه، وقد خلد الله هذا الموقف الكريم في كتابه العظيم في قوله: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)) [الفتح:18]، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هؤلاء المزكين من أصحابه: (لا يدخل النار رجل بايع تحت الشجرة)، هكذا رواه الإمام مسلم في صحيحه.
ولقد بلغ من حيائه رضي الله عنه ما ذكره عنه الحسن البصري بقوله: (إن كان ليكون في البيت، والباب عليه مغلق، فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء، يمنعه الحياء أن يقيم صلبه).
زوجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنته رقية رضي الله عنها، فلما ماتت زوجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنته الثانية أمَّ كلثوم، فلذلك لقب عثمان رضي الله عنه بذي النورين، وبشره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة، وأخبر أن الملائكة تستحي منه، كما روى ذلك الإمام مسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
هذه هي مكانة عثمان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومحبته له، ولا تَقِلُّ هذه المكانة والمحبة عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان الجميع يُكِنُّون له كل تقدير واحترام، وكذا علموا أن محبتهم لعثمان من محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن حبه إيمان وبغضه نفاق، فعن مُطَرِّف قال: (لقيت علياً رضي الله عنه فقال لي: يا أبا عبد الله! ما بَطَّأ بك عنا؟ -وقد أطال الجلوس عند عثمان- قلت: أحب عثمان، قال علي: أما لئن قلت ذاك! لقد كان عثمان أوصلنا للرحم، وأتقانا للرب تعالى).
وأما عن سخاء عثمان بن عفان رضي الله عنه، فإن كانت السفن لتجري في جود عثمان.. سخاءً لا يجد له الإنسان نظيراً، وعطاءً لا تكاد تجد له مثالاً.. جاءت رواحل عثمان ذي النورين من اليمن محملةً بالخيرات، فانْقضَّ عليها التجار من أهل المدينة ومن حولها يساومونه ويتضاربون، كل منهم يتمنى أن يكون هو الذي سيظفر بالصفقة الرابحة، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (قحَطَ الناس في زمان أبي بكر، فقال الخليفة لهم: إن شاء الله لا تمسون غداً حتى يأتيكم فرج الله، فلما كان صباح الغد، قدمت قافلة لعثمان، فغدا عليه التجار، فخرج إليهم وعليه مَلاَءةٌ قد خالف بين طرفيها على عاتقه.. وسألوه أن يبيعهم قافلته، فسألهم: كم تربحونني؟ قالوا: العشرة اثني عشر، قال قد زادني، قالوا: فالعشرة خمسة عشر، قال: قد زادني، قالوا: من الذي زادك؟ قال: إنه الله، زادني بكل درهم عشراً، فهل لديكم أنتم مزيد؟ فانصرف التجار عنه وهو ينادي: اللهم إني وهبتها لفقراء المدينة بلا ثمنٍ ولا حساب).
هذه قطرة من بحر جوده رضي الله عنه، والذي يزعم أنه كتب في جود عثمان وسخائه ما يكفي فقد أعظم الفِرْيةَ على عثمان، فإنه كان بحراً ليس له ساحل، رضي لله عنه وأرضاه وبلغه في الجنة مناه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلاماً على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.. وبعد:
فقد كان عثمان رضي الله عنه أحد العشرة الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة، ويوم بشره بها قرن هذا التبشير بخبر ما سيصيبه من الفتن والبلاء، فقد جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في حديث تبشير الخلفاء بالجنة، فقال فيما يخص عثمان: (فقمت ففتحت الباب، فإذا أنا بعثمان، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم -يوم بشره بالجنة على بلوى تصيبه- فقال عثمان رضي الله عنه: الله المستعان على بلائه وعليه التكلان)، وأصله في الصحيحين، وكان هذا الحديث معجزةً من معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكبرى، حيث عصفت بعثمان رياح الفتن التي أثارها حزب الشيطان ضده، وعلى رأسهم عبد الله بن سبأ اليهودي، والغوغاء في الأمصار ومن تأثر بهم باسم الإسلام، والتي انتهت باستشهاد أكرم إنسان على وجه الأرض حيٍّ آنذاك.
إن حكم عثمان الطويل الذي دام اثنتي عشرةَ سنةً إلا اثنتي عشرة ليلة، والذي تُوِّجَ بأشرف الأعمال وأجلها؛ أغاظ أعداء الإسلام فَحنَقُوا عليه، فهو الذي أنهى حكم الأكاسرة والقياصرة في البر والبحر، حتى امتدت فتوحاته إلى بخارى وسمرقَنْد شرقاً، وإلى قبرصَ وشمالِ أفريقيا غرباً، وهو الذي جمع المصحف الشريف، وجمع المسلمين في جميع الأقطار عليه، واتفقت الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين على موافقته دون أن يعترض واحد منهم.
ولكن عثمان هذا وبكل طَيِّبَاته وتضحياته، تتجمع من حوله الفتنة التي كان من ورائها أشرار الأرض، وأجرت دمه الطاهر يسطر المأساة على كتاب الله وهو يتلوه، فوقفت نَضْحَةٌ من دمه الطاهر على قوله تعالى: ((فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) [البقرة:137]، وكان يومئذٍ صائماً بعد حصار طويل صمد فيه عثمان المحتسب الصابر، بإيمان صادق، وقد أوكل أمره لحكم الله وقضائه.
ولقد أريد من الخليفة أن يستعمل من حوله حُرَّاساً يحمونه، أو أن يأخذ على أيدي محاصريه بشدة، بل جاء جمع من شباب الصحابة لحراسته؛ كالحسن والحسين وعبد الله بن الزبير وغيرهم رضي الله عنهم، وكان المحاصِرون يطلبون تنحيته، ولكن الخليفة الذي ما زال صوت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرنُّ في سمعه بالوصية التي أوصاه بها: (يا عثمان! إن الله مُقَمِّصُكَ قميصاً -يعني: الخلافة- فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني). هذا الخليفة العظيم يرفض التنحِّي، ويرفض الحراسة والانتصار له، ومقاتلة أعدائه، حيث هبَّ الصحابة جميعهم للدفاع عنه ومنع المجرمين من تنفيذ جريمتهم النكراء.
نعم.. لقد منع عثمان رضي الله عنه الصحابة من أن يشهروا سيوفهم بوجه الغوغاء المغرر بهم؛ لأنه يخشى أن يقتتل الناس، وتراق دماؤهم وتسفك من أجله، وقال قولته المشهورة: (والله لن أكون أول من يخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمته بسفك الدماء).
بل لقد رفض رضي الله عنه أن يأخذ بشدة على أيدي هؤلاء العابثين بأمن المسلمين وخلافتهم قائلاً: (تنحَّوا عني! فوالله ما أحب أن ألقى الله وفي عنقي قطرة دم لامرئ مسلم)، وانْفَضَّ بعض الصحابة المدافعين من حوله استجابةً لأمر الخليفة، وأبى بعضهم مثل الحسن والحسين إلا البقاء للدفاع عنه، وكتبت لعثمان رضي الله عنه الشهادة ليلحق بحبيبه سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم.
وصدق الصحابي الجليل عبد الله بن سلام رضي الله عنه حين قال للغوغاء عند خروجهم على عثمان: (لا أيها الناس! إن سيف الله لم يزل مغمداً عنكم، وإنكم والله إن قتلتموه لَيَسُلَّنه الله ثم لا يغمد أبداً إلى يوم القيامة)، وهكذا توالت الفتن بعد مقتل الإمام المظلوم عثمان ذي النورين، وكلما نسي المسلمون اللهَ أنساهم أنفسهم، وابتلاهم بفتن لا يخمد نارها حتى يعودوا إلى ربهم، ويتمسكوا بسنة نبيهم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، ويعضوا عليها بالنواجذ، ففي ذلك نجاتهم وخلاصهم من عذاب الله وانتقامه.
هذا هو عثمان، وهذه مواقفه! ويا حبذا لو فَقِه المسلمون سيرته ودرسوا مناقبه، وأشاعوا ذكره في تسمية مواليدهم الجدد باسمه، فاسم عثمان كان محبباً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته البررة الأكارم، حتى إن الإمام علياً رضي الله عنه قد سمى ولدين من أولاده باسم عثمان -عثمان الأكبر وعثمان الأصغر- كما ذكر ذلك اليعقوبي في تاريخه؛ تيمناً باسم عثمان، فسلام على عثمان في الأولين والآخرين.
ولعلنا نخرج بعد سماع هذه السيرة العطرة للخليفة العظيم عثمان بن عفان ببعض الدروس والعبر، والتي من أهمها:
أولاً: ما كان عليه رضي الله عنه من الحياء والعفة والود والرحمة، مما جعله من أكمل المؤمنين أخلاقاً.
ثانياً: الحلم العظيم والصبر الجميل الذي تحلَّى به الخليفة، مما جعله يؤثر الموت لنفسه حرصاً على عدم إشعال الفتنة وسفك الدماء بين المسلمين رضي الله عنه ورحمه.
عباد الله! صلوا وسلموا على النبي الزكي التقي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة أبدية سرمدية.
اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى من الجنة، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر المجاهدين في مشارق الأرض ومغاربها، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون.