الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده , ونستعينه , ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران [102]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء [1]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِع اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }الأحزاب [70-71]
أما بعد، أيها الأحبة :
ظاهرة تحدث في الكون كل يوم، تتكرر هذه الظاهرة،
وأكثر الناس عن العبرة منها غافلون،
في صباح كل يوم تشرق الشمس بأمر الله، صفراء باهت لونها، ثم ما هي إلا سويعات حتى يحمر لونها، ويشتد حرها، فلله، لله، ما أشد حر الشمس، إذا توسطت كبد السماء، ثم ما هي إلا سويعات، حتى يصفر لونها،ويعود باهتا من جديد،فقد ترحلت للغروب ثم تغرب عن دنيانا، وإلى الله المصير، إن هذه الظاهرة التي تتكرر في كل يوم، تنبئنا حقا وحتما ،
أن هذه الدنيا ،سريع زوالها،وأن كل مخلوق وموجود على هذه الأرض، فإنما يوجد ضعيفا صغيرا قليل الحجم، ثم يكبر حجمه، ويشتد عوده وساعده.
ثم ماذا يا عباد الله؟ ثم ماذا يا عباد الله ؟
تتبدل القوة من جديد إلى ضعف، تتبدل القوة ضعفا، ويحل الشيب محل الشباب،
ثم ينتهي كما انتهى غيرنا.
أين الآباء من عهد عاد؟
إلى الله المصير، وعلى الله القدوم، وعند الله الموعد، وكلنا مجموعون ليوم لا ريب فيه :
{... ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }البقرة281
أحبتي في الله:
كذا المولود يولد صغيرا ، ثم يشب ويشتد عوده، ثم يكون رجلا قويا، ثم يشيب ويعود ضعيفا من جديد،ثم يقدم على الملك العلام، ولو كانت الدنيا تبقى لأهلها ،
لكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- حيا وباقيا، ولكنها تفنى ويفنى نعيمها،
وتبقى الذنوب والمعاصي كما هي.
أحبتي في الله :
هذه هي حقيقة الدنيا، ضرب الله عز وجل مثلا لها في القرآن:
{وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً. الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}الكهف45-46
هذه هي الحياة الدنيا، كماء أنزله الله عز وجل من السماء، فنبت به نبات الأرض، وقد ضرب الله عز وجل مثالا للدنيا بأنها كالزهرة، زهرة الحياة الدنيا.
قال الله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ...}طه131
فهي كالزهرة وعمر الورود قليل، وعمر الزهور قصير، ثم إلى الله المصير:
{كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ}
فنما هذا النبات واخضر، ثم ماذا يا عباد الله؟
{فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ }.
تُطَيره الرياح يمنة ويسرة، بعد أن كان نباتا يانعا مورقا مزهرا، بهجة للناظرين:
{...تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً}
لقد توالت عبارات الأنبياء والصلحاء، عبر العصور والدهور في التحذير من الاغترار بزينة الحياة الدنيا وزخارفها ، فهذا مؤمن آل فرعون، ينادي على قومه، بنداء الناصح المشفق:
يا قوم.. {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ }غافر39
هذه هي حقيقة الدنيا والله، متاع ، وأما الآخرة، فدار بقاء واستقرار:
{يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ }غافر39
وعيسى عليه السلام ، نبي الله وكلمته، عيسى رسول الله، وعبد الله ، يقول لأتباعه يوما:
" أي منكم يبني على موج البحر داره؟ "
فقالوا:" ليس منا أحد يبني على موج البحر داره"
قال:" فكذلك الدنيا"
فكذلك الدنيا ، هي رحلة ونُقلة إلى الآخرة، نعم لابد منها ولابد من عبورها،
لكن ينبغي ألا تسكن سويداء القلب،وأن يكون العمل لدار البقاء.
واعمل لدار غدا رضوان خازنها *** الجار أحمد والرحمن ناشيها
ومما أثر عن عيسى عليه السلام، أنه صلوات ربي وسلامه عليه،
قال لحواريه في شأن الدنيا:" أعبروها ولا تعمروها"
أعبروها ولا تعمروها.
هكذا ينبغي أن يكون المؤمن في هذه الحياة ، عابرا لها ، وعابر السبيل ، لابد له من السبيل حتى يعبر، لكن لا يتعلق قلبه ولا تركُن نفسه، إلى طريق هو طريق سفر،
إنها طريق سفر إلى الآخرة.
أعبروها ولا تعمروها.
ولقد وعظ النبي- صلى الله عليه وسلم-الصحابي الجليل، عبد الله بن عمر رضي الله عنه وعن أبيه، وعظه النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذه الموعظة البليغة ، فقال له:" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" وكان ابن عمر يقول:"إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من حياتك لوفاتك ومن صحتك لسقمك ".
نعم أيها الأحبة :
هكذا ينبغي أن ننزل النصوص الشرعية على أنفسنا، إن بعض الناس قد غرهم الأمل الطويل، فأصبح يظن أن المخاطب بخطاب فناء الدنيا ، هو أناس آخرون؛
فأشعِر نفسك يا عبد الله، أشعر نفسك أن الخطاب موجه لك؛
إن هذا الموت لا يترك صغيرا ولا كبيرا، ولا يطرق بابا ولا يهاب حُجَّابا،
إنه لا يستأذن من أحد، إنه ليس عند الله عز وجل فرق بين كبير أو صغير:
{...إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }يونس49
فأنا وأنت مخاطبون بهذا الخطاب.
وإن من أعاجيب القصص التي حدثت في هذا العصر، أن وقف إمام الحرم المكي،
الشاب الشيخ- الدكتور عمر السبيل- عليه رحمة الله، وقف على منبر الحرم قبل قرابة سبع سنوات من الآن في حرم مكة، وعند الكعبة، يحذر الناس من الاغترار بالدنيا وزخارفها ،
فلم تكد تمضي سبعة أشهر، حتى حصل حادث سيارة لهذا الشيخ الشاب ،
وتوفاه الله عز وجل، فكانت كلماته المدوية، نصيحة من ميت قد فارق هذه الدنيا،
وبقيت هذه الكلمات.
وما يدري ، ما يدري الإنسان، لا أدري أنا ولا أنت ،متى أغادر أنا الدنيا، وهل أستطيع أن أتم كلمتي هذه الآن، أن يكون الأجل أسبق، هكذا يجب أن ننزل الأمر على أنفسنا، وألا نظن أن المخاطب بالكلام، من عن يميننا، أو عن يسارنا أو من خلفنا،أو من أمامنا، المهم أنه واحد غيري.
لا يا عباد الله ، بل كلنا مخاطبون بهذا الخطاب.
هو ذا الموت متى حُـــــــــــــــــــط ذا *** عن نعشه ذاك يركـــــــــــــــب
نُؤمِّل آمالا ونبغي نَتاجــــــــــــــــــها *** وعنا الردى مما نُمَلِّيه أقـــــرب
ونبني القصور المُشْمخِرات في الهوى *** وفي علمنا أنا نموت وتخـــــرب
فإلى الله نشكو قسوة في قلوبــنــــــــــا *** وفي كل يوم واعظُ الموت بنـدُب
نعم يا عباد الله:
ستُفضي بك الأيامُ في بعض مَرِّها...إلى ساعةٍ لا ساعةٌ لك بعدها
هذه هي حقيقة الدنيا،وأنها مهما تزينت وتزخرفت، فهي إلى زوال ولا شك.
بنى هارون الرشيد قصرا فشيده وجمله وحسنه فجعل الداخلون إليه ينظرون إليه ويمدحونه، هذا يمدح من جهة وذاك من جهة أخرى وثالث ورابع يمدحونه وأبو العتاهية الشاعر المعروف ساكت لا يتلفظ ؛
فقال هارون الرشيد لأبي العتاهية: قل يا أبا العتاهية؛
ينتظر منه مدحا لهذا القصر ،وأبو العتاهية من هو في الشعر،
قال له : قل يا أبا العتاهية .
فقال أبو العتاهية مخاطبا أمير المؤمنين هارون الرشيد، قائلا له:
عش ما بدا لك سالما ( عش من العيشة والحياة)
عش ما بدا لك سالما ، في ظل شاهقة القصــــــور
فقال هارون الرشيد: هيه أكمل
قال يُسعى عليك بما اشتهيت لدى الرواح مع البكور
قال : هيه أكمل
قال: فإذا النفوس تقعقعت في ظل حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنا ما كنت إلا في غــــــــــــــــــرور
إنها اللحظة الحاسمة، إنها الساعة الحاسمة.
لقد عرفتُ إنسانا كان يسبح في البحر، ثم أشفى على الغرق، قال في تلك الساعة،
أحسست بحقارة الدنيا.
نعم أيها الأحبـــة :
ما دام للإنسان أمل قوي وتعلق بهذه الدنيا، فإنه لا يعرفها حق المعرفة، ويعرفها من أوشك على مفارقتها، وعلم أنها لا تساوي جناح بعوضة، إيه وربي، لا تساوي جناح بعوضة، ولو كانت تساوي جناح بعوضة، ما سقى الله منها كافرا شربة ماء، ولكنها للبر والفاجر،يأكل منها البر والفاجر.
{... وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }الزخرف35
رجل أصيب بمرض من الأمراض، ونزل المرض به حتى أشفى على النهاية، فنقل إلى المستشفى في الصباح الباكر،والناس يخرجون إلى أعمالهم،فكان ينظر إليهم ويقول في نفسه : أتسعون إلى خراب؟ أتسعون إلى فناء؟ يشعر بهذا من عَلِم حقيقة الدنيا،وأوشك على مفارقتها.
فأشعر نفسك يا عبد الله وأنت قوي جلْد في هذه الدنيا، بحقارتها ودناءتها ليأخذك ذلك إلى الآخرة، ليكون ذلك زادا لك، إلى لقاء الله عز وجل،ومن لُطفِ الله ورحمة الله، وكرم الله، أنا نتعامل مع رب كريم، يجازي الحسنة بعشر أمثالها،إلى سبع مائة ضعف،
ويزيد لمن يشاء من فضله وكرمه.
إن من حكمة الله عز وجل،أن يشعر الطائع بلذة طاعته وعبادته، في الدنيا قبل الآخرة.
أيها المغرور بدنياك ، على ما اغتررت بها؟ أللذة عاجلة ؟ أللذة فانية؟
إن أردن تلك اللذة في الدنيا وفي الآخرة، فعليك بتقوى الله والعمل الصالح:
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }النحل97
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ...َ }
تطيب الحياة، بالعمل الصالح ، فطيب حياتك يا عبد الله، بعمل صالح يبقى لك عند الله،
طيب حياتك بعمل صالح .
هذا رجل يعيش معنا في هذا العصر،خرج من وظيفته في موعد خروج الموظفين، وفي سيارته تذكر قائمة الطلبات التي كتبتها زوجته، فذهب إلى المحل التجاري ليشتري طلبات البيت، وعند باب المحل، رأى امرأة عجوز، تجلس تسأل الله من فضله، ولإن كنا نقول إن ظاهرة التسول،ظاهرة غير صحيحة،وأن فيها من الأخطاء ما فيها، لكن علم الله أن قلة من بين هؤلاء، لهم حاجة حقا، وقد كانت تلك المرأة كذلك، فانظر حفظك الله، أنظر رعاك الله، قال هذا الرجل: وقفت أمام تلك المرأة،مترددا أأخرج الريال من جيبي أو لا أخرجه، ثم تشجعت فأخرجت لها لريال، ووضعته وانصرفت ،
في الطريق أحسست بسعادة غامرة،أحسست أني ساعدت محتاج،أحسست أني أدخلت السرور على مسلمة،ولا زالت تلك السعادة في نفسي،حتى انطلقت إلى العمل في اليوم الثاني؛
فلما أحسست بضغوط العمل،خاطبت نفسي وقلت : هلم إلى سعادتك ، إلى حيت تضع الريال، قال فجئت إلى نفس المكان، وإذ بنفس المرأة جالسة في مكانها، فسلمت عليها فردت السلام،
ثم - قلت لها : كيف حالك يا خالة؟
- قالت : بخير والحمد لله،
- قال : فقلت في نفسي، وهي في هذا الحال، بخير والحمد لله؟
قال :فتشجعت وقلت لها ما قصتك؟ لماذا تجلسين هاهنا؟
- قالت أنا جدة لسبعة أطفال، توفي أبوهم قبل أربع سنوات،فلم تستطع أمهم أن تبقى في الشقة المستأجرة،لارتفاع سعر الإيجار عليها، فأتت بأبنائها السبعة إلى بيتي وأقامت عندي، بعد سنة وأربعة أشهر، توفيت الأم ،وأصبحت أنا الجدة العجوز ، العائل الوحيد لهؤلاء الأيتام،
ليس لهم بعد الله غيري.
- قال: فتألمت مما سمعت،أخذت العربة وأخذت آخذ أمتعة كأني آخذها لبيتي،ثم جمعتها جميعا،ودفعت الثمن،وأتيت إلى المرأة على باب المحل التجاري.
وقلت لها : يا خالة،كل هذا لك، فنظرت إلي متعجبة، كأنها تقول: كل هذا لي؟ - قال : نعم، هو لك وللأطفال، أفرحيهم بها
ففرحت المرأة وقامت وجمعت الأغراض، وأرادت أن تنصرف بها.
قال: فقلت لسائق الأجرة، أجرة السيارة عندي، ثم خطر ببالي أن أتبع هذه المرأة لأعرف صدقها، قال فانطلقت خلف سيارة الأجرة حتى وصلت البيت
فخرج الأطفال يحتضنوها ويقبلونها، وهم يرون الحلوى معها.
قال : فأثر فِيَّ هذا المشهد كل التأثير، مما جعلني أعيد حساباتي في هذه الدنيا.
كم من لذة لمن أدخل الفرحة على يتيم، كم من لذة لمن أدخل السعادة على امرأة أرملة،
كم من لذة يشعر بها أصحاب العمل الصالح، في محاريبهم وهم يتعبدون لله عز وجل،
كم من لذة في مناجاة الله، والخلو به، والأنس به سبحانه وبحمده، يدعونه ويرجونه ،
يدعونه تدرعا وخيفة،
يقولون : يا ألله..يا ألله..يا ألله، وهو يسمع شكاتهم ويجيب حاجاتهم،
سبحان مفرج الكروب، سبحان علام الغيوب، سبحان الملك الكبير المتعال.
أيها الأحبة:
إن هذه لهي حقيقة الدنيا، وإن أفضل ما يُكتسب فيها، عمل صالح يوصل إلى الآخرة؛
إن أفضل ما يكتسب في هذه الحياة ،وما ندخره ليوم البعث والنشور هو ما ندخره لحياتنا الحقيقية، لدارنا الحقيقية:
الجنة التي وعدنا الله إياها إن آمنا بالله وعملنا صالحا.
أختم خطبتي هذه،أختم خطبتي الأولى هذه ، بهذه القصة الواقعية التي أعرفها أنا،
أعرفها تمام المعرفة،أعرف صاحبها لتعلموا أنا نتعامل مع أكرم الأكرمين،
وأن الله عز وجل لا يضيع من قصد وجهه،
وأن الله عز وجل لا يضيع من أراد وجهه سبحانه وبحمده.
رجل من الناس كان في حياته ، بين بين ، بين عمل صالح وبين غير ذلك، ثم أراد الله هدايته، فهداه الله عز وجل إلى الخلو به والأنس به في ظلام الليل، في قيام الليل، يقوم وهو كبير في السن يصلي قيام الليل، فإذا تعب من القيام جلس، يظل يصلي حتى صلاة الفجر، وهكذا في كل ليلة، ثم إن الله عز وجل، مَنَّ عليه بكلمة كان يتلفظ بها دائما.
كان يقول : أحمدك يا ألله -أحمدك يا ألله-
فظل يردد هذه الكلمة ، ثم مَنَّ الله عز وجل عليه بحجة ختامية يختتم بها حياته،
فذهب إلى الحج، فكان يتعب نفسه في الطواف عند البيت ، يقول لعلني أموت وأنا أطوف بكعبة المسجد الحرام،فلم يمت، ثم أتعب نفسه في السعي بين الصفا والمروة ، فلم يمت ، ثم أتعب نفسه في يوم عرفة فلم يمت ، ظل هكذا حتى إذا شاء الله عز وجل أن يغسله إن شاء الله من الذنوب والخطايا بهذه الحجة مصداقا لقول النبي- صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
" من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه"
فرجع من حجته هذه يقول :لا أريد غير الله، لا أريد غير وجه الله،لأتفرغ للعبادة والطاعة، فالتقى بأبنائه وسلم عليهم جميعا، ثم في الليل أتته النوبة القلبية، فحملوه إلى المستشفى،
وهناك في قسم الطوارئ ، أدخلوه إلى قسم العناية المركزة، ومنعوا أبناءه على الباب من الدخول ، ثم صرفوهم جميعا، وبقي في غيبوبته،
كلما أفاق، قال: - أحمدك يا ألله - أحمدك يا ألله.
وولده عند الباب، يقول حتى إذا كانت الساعة الأخيرة من الثلث الآخر من الليل،
حتى إذا كانت الساعة الأخيرة من الثلث الآخر من الليل،
سمعت أبي يردد: أحمدك يا ألله أحمدك يا ألله ،
وصوت في غرفة أبي، لا أستطيع الدخول، أريد أن أفدي أبي بنفسي ، ولكني لا أستطيع، فوضعت أذني على الباب لأسمع ما يدور ، فسمعت الممرضة تقول:
يا دكتور، المريض يتكلم وقلبه قد توقف، المريض يتكلم وقلبه قد توقف،
إنها حسن الخاتمة،يختم بها إن شاء الله، يختارها الله عز وجل لمن أراد وجهه، لمن عرف حقيقة الدنيا وأنها دار زوال ، لمن استغلها في العمل الصالح.
أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يختم لي وإياكم بخير.
أقول قولي هذا وأستغفر الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه،وأصلي وأسلم على النبي المبعوث بالهدى النبي أحمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تعبد ،
أما بعد.
أيها الأحبة في الله:
ليس معنى ما تقدم ، أن الإنسان يُغفل الدنيا تماما، بل إن النصوص الشرعية دالة على عمارة هذا الكون :
{... هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ...}هود61
وقال جل وعلا: {...وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }القصص77
هذه هي الحقيقة المعتدلة، والنظرة المتوازنة.
أن الدنيا دار عبور للآخرة، وأنه لا بد منها، وأن لا ينس الإنسان نصيبه منها، ولكن يكن ذلك كله دافعا له للعمل الصالح وللمزيد من فعل الخيرات والقربات التي تقرب من ذي العرش زلفى سبحانه وبحمده ، إن دارنا الحقيقية هي الجنة التي وعدنا الله إياها.
واعمل لدار غدا رضوان خازنها *** الجار أحمد والرحمن ناشيها
هذه هي الحقيقة التي وُعدنا بها في الآخرة ، فلنتخذ الدنيا معبرا وسلما يوصل إلى لآخرة .
أعبروها ولا تعمروها
ولنستغل ذلك في العمل الصالح، من أجل جنات عدن ، تلك الجنة التي: {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً }مريم61
جنات عدن التي وعد الله عز وجل المؤمنين والمتقين،والتي قال جل وعلا عنها:
{ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ{13} وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ{14}الواقعة
هذه الجنة أيضا قال جل وعلا عنها:
{ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ{39} وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ{40}الواقعة
فهناك المقربون وهناك أصحاب اليمين وهناك أصحاب الشمال.
فاعمل يا عبد الله ، لتكون من أصحاب اليمين، لتكون من المقربين، الذين لهم عند الله عز وجل حظوة وقربى منه سبحانه وبحمده.
واحذر يا عبد الله، أن تغتر بزينة الحياة الدنيا، وأن تشدك إليها، فتركن إلى الأرض، فتخرج منها سريعا بلا عمل صالح يبلغك رضوان الله عز وجل.
أكرم بجنات النعيم وأهلهـــــــا *** إخوان صدق أيما إخــــــــوانِ
جيران رب العالمين وحزبــــه *** أكرم بهم في صفوة الجيـــران
هم يسمعون كلامه ويرونــــــه *** المقلتان إليه ناظــــــــــرتـــان
عليهم فيها ثياب سنـــــــــــدس *** وعلى المفارق أحسن التيجـان
تيجانهم من لؤلؤ أو زبرجـــــد *** أو فضة من خالص العقيـــــان
إن كنت مشتاقا لها كَلِفا بــهــــا *** شوق الغريب لرؤية الأوطــان
كن محسنا فيما استطعت فربما *** تجزى عن الإحسان بالإحسان
واعمل لجنات النعيم وطيبهــــا *** فنعيمها يبقى وليس بفـــــــــان
- الجنة تحتاج إلى عمل، والدنيا هي المزرعة.
- الجنة تحتاج إلى عمل، والدنيا هي المزرعة.
- الجنة تحتاج إلى عمل، والدنيا هي المزرعة.
لقد وعد الله عز وجل المؤمنين العاملين بجنات الفردوس:
{ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى{5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى{6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى{7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى{8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى{9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى{10} } – الليل
وفي صحيح مسلم، أن النبي - صلى الله عليه وسلم –
قال:"اعملوا، فكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له"
فمن يشتري الجنة ؟
من يشتري الجنة؟ بركعتين في ظلام الليل.
من يشتري الجنة؟ بدرهم ينفقه في سبيل الله.
من يشتري الجنة؟ بصيام يوم في حر الصيف.
من يشتري الجنة؟ ببر الوالدين.
من يشتري الجنة؟ بتلاوة القرآن لكريم.
من يشتري الجنة؟ بعمل الطاعات التي تقرب من الله عز وجل.
من يشتري الجنة؟
فحيا على جنات عدن فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم
وحيا على طيب بـــــها وعيش بـــها ليس يســــــــــــأم
الهم إنا ندعوك وأنت أحق من دُعي ، ونرجوك وأنت أحق من رُجي، الهم اغفر لنا ذنوبنا كلها ، دقها وجلها،
الهم ارزقنا الجنة، الهم ارزقنا الجنة، الهم ارزقنا الجنة،
اللهم إنا نعوذ بك من النار،الهم أجرنا من عذاب النار، اللهم أجرنا من عذاب النار، الهم أجرنا من عذاب النار،
الهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضى جميع المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين،اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح من وليته أمرنا، وولي علينا خيارنا ،واكفنا شرارنا، برحمتك يا أرحم الراحمين، الهم بارك في مملكة البحرين حكومة وشعبا، اللهم ارزق أهل هذا البلاد الصواب والسداد، ووفقهم جميعا لما تحب وترضى، اللهم أصلح جميع أحوال أمتنا يا كريم، الهم أزل البأساء عن البائسين، والضراء عن المتضررين، وأصلح جميع أحوال المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا قد اجتمعنا في بيتك ضيوفا عليك وأنت الملك، الهم إن صاحب البيت يكرم الضيوف، اللهم أكرمنا بقضاء حاجاتنا، اللهم إن كلا منا في صدره حاجة، اللهم فلا تصرفنا إلا وقد قضيت حاجتنا، بكرم منك يا ذا الكرم، بكرم منك يا ذا الكرم، إلهنا قد عودتنا كرمك منذ كنا صغارا، اللهم فأدمه علينا مدرارا.
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد
وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد
قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
--------------------
إن الحمد لله نحمده , ونستعينه , ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران [102]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء [1]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِع اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }الأحزاب [70-71]
أما بعد، أيها الأحبة :
ظاهرة تحدث في الكون كل يوم، تتكرر هذه الظاهرة،
وأكثر الناس عن العبرة منها غافلون،
في صباح كل يوم تشرق الشمس بأمر الله، صفراء باهت لونها، ثم ما هي إلا سويعات حتى يحمر لونها، ويشتد حرها، فلله، لله، ما أشد حر الشمس، إذا توسطت كبد السماء، ثم ما هي إلا سويعات، حتى يصفر لونها،ويعود باهتا من جديد،فقد ترحلت للغروب ثم تغرب عن دنيانا، وإلى الله المصير، إن هذه الظاهرة التي تتكرر في كل يوم، تنبئنا حقا وحتما ،
أن هذه الدنيا ،سريع زوالها،وأن كل مخلوق وموجود على هذه الأرض، فإنما يوجد ضعيفا صغيرا قليل الحجم، ثم يكبر حجمه، ويشتد عوده وساعده.
ثم ماذا يا عباد الله؟ ثم ماذا يا عباد الله ؟
تتبدل القوة من جديد إلى ضعف، تتبدل القوة ضعفا، ويحل الشيب محل الشباب،
ثم ينتهي كما انتهى غيرنا.
أين الآباء من عهد عاد؟
إلى الله المصير، وعلى الله القدوم، وعند الله الموعد، وكلنا مجموعون ليوم لا ريب فيه :
{... ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }البقرة281
أحبتي في الله:
كذا المولود يولد صغيرا ، ثم يشب ويشتد عوده، ثم يكون رجلا قويا، ثم يشيب ويعود ضعيفا من جديد،ثم يقدم على الملك العلام، ولو كانت الدنيا تبقى لأهلها ،
لكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- حيا وباقيا، ولكنها تفنى ويفنى نعيمها،
وتبقى الذنوب والمعاصي كما هي.
أحبتي في الله :
هذه هي حقيقة الدنيا، ضرب الله عز وجل مثلا لها في القرآن:
{وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً. الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}الكهف45-46
هذه هي الحياة الدنيا، كماء أنزله الله عز وجل من السماء، فنبت به نبات الأرض، وقد ضرب الله عز وجل مثالا للدنيا بأنها كالزهرة، زهرة الحياة الدنيا.
قال الله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ...}طه131
فهي كالزهرة وعمر الورود قليل، وعمر الزهور قصير، ثم إلى الله المصير:
{كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ}
فنما هذا النبات واخضر، ثم ماذا يا عباد الله؟
{فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ }.
تُطَيره الرياح يمنة ويسرة، بعد أن كان نباتا يانعا مورقا مزهرا، بهجة للناظرين:
{...تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً}
لقد توالت عبارات الأنبياء والصلحاء، عبر العصور والدهور في التحذير من الاغترار بزينة الحياة الدنيا وزخارفها ، فهذا مؤمن آل فرعون، ينادي على قومه، بنداء الناصح المشفق:
يا قوم.. {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ }غافر39
هذه هي حقيقة الدنيا والله، متاع ، وأما الآخرة، فدار بقاء واستقرار:
{يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ }غافر39
وعيسى عليه السلام ، نبي الله وكلمته، عيسى رسول الله، وعبد الله ، يقول لأتباعه يوما:
" أي منكم يبني على موج البحر داره؟ "
فقالوا:" ليس منا أحد يبني على موج البحر داره"
قال:" فكذلك الدنيا"
فكذلك الدنيا ، هي رحلة ونُقلة إلى الآخرة، نعم لابد منها ولابد من عبورها،
لكن ينبغي ألا تسكن سويداء القلب،وأن يكون العمل لدار البقاء.
واعمل لدار غدا رضوان خازنها *** الجار أحمد والرحمن ناشيها
ومما أثر عن عيسى عليه السلام، أنه صلوات ربي وسلامه عليه،
قال لحواريه في شأن الدنيا:" أعبروها ولا تعمروها"
أعبروها ولا تعمروها.
هكذا ينبغي أن يكون المؤمن في هذه الحياة ، عابرا لها ، وعابر السبيل ، لابد له من السبيل حتى يعبر، لكن لا يتعلق قلبه ولا تركُن نفسه، إلى طريق هو طريق سفر،
إنها طريق سفر إلى الآخرة.
أعبروها ولا تعمروها.
ولقد وعظ النبي- صلى الله عليه وسلم-الصحابي الجليل، عبد الله بن عمر رضي الله عنه وعن أبيه، وعظه النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذه الموعظة البليغة ، فقال له:" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" وكان ابن عمر يقول:"إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من حياتك لوفاتك ومن صحتك لسقمك ".
نعم أيها الأحبة :
هكذا ينبغي أن ننزل النصوص الشرعية على أنفسنا، إن بعض الناس قد غرهم الأمل الطويل، فأصبح يظن أن المخاطب بخطاب فناء الدنيا ، هو أناس آخرون؛
فأشعِر نفسك يا عبد الله، أشعر نفسك أن الخطاب موجه لك؛
إن هذا الموت لا يترك صغيرا ولا كبيرا، ولا يطرق بابا ولا يهاب حُجَّابا،
إنه لا يستأذن من أحد، إنه ليس عند الله عز وجل فرق بين كبير أو صغير:
{...إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }يونس49
فأنا وأنت مخاطبون بهذا الخطاب.
وإن من أعاجيب القصص التي حدثت في هذا العصر، أن وقف إمام الحرم المكي،
الشاب الشيخ- الدكتور عمر السبيل- عليه رحمة الله، وقف على منبر الحرم قبل قرابة سبع سنوات من الآن في حرم مكة، وعند الكعبة، يحذر الناس من الاغترار بالدنيا وزخارفها ،
فلم تكد تمضي سبعة أشهر، حتى حصل حادث سيارة لهذا الشيخ الشاب ،
وتوفاه الله عز وجل، فكانت كلماته المدوية، نصيحة من ميت قد فارق هذه الدنيا،
وبقيت هذه الكلمات.
وما يدري ، ما يدري الإنسان، لا أدري أنا ولا أنت ،متى أغادر أنا الدنيا، وهل أستطيع أن أتم كلمتي هذه الآن، أن يكون الأجل أسبق، هكذا يجب أن ننزل الأمر على أنفسنا، وألا نظن أن المخاطب بالكلام، من عن يميننا، أو عن يسارنا أو من خلفنا،أو من أمامنا، المهم أنه واحد غيري.
لا يا عباد الله ، بل كلنا مخاطبون بهذا الخطاب.
هو ذا الموت متى حُـــــــــــــــــــط ذا *** عن نعشه ذاك يركـــــــــــــــب
نُؤمِّل آمالا ونبغي نَتاجــــــــــــــــــها *** وعنا الردى مما نُمَلِّيه أقـــــرب
ونبني القصور المُشْمخِرات في الهوى *** وفي علمنا أنا نموت وتخـــــرب
فإلى الله نشكو قسوة في قلوبــنــــــــــا *** وفي كل يوم واعظُ الموت بنـدُب
نعم يا عباد الله:
ستُفضي بك الأيامُ في بعض مَرِّها...إلى ساعةٍ لا ساعةٌ لك بعدها
هذه هي حقيقة الدنيا،وأنها مهما تزينت وتزخرفت، فهي إلى زوال ولا شك.
بنى هارون الرشيد قصرا فشيده وجمله وحسنه فجعل الداخلون إليه ينظرون إليه ويمدحونه، هذا يمدح من جهة وذاك من جهة أخرى وثالث ورابع يمدحونه وأبو العتاهية الشاعر المعروف ساكت لا يتلفظ ؛
فقال هارون الرشيد لأبي العتاهية: قل يا أبا العتاهية؛
ينتظر منه مدحا لهذا القصر ،وأبو العتاهية من هو في الشعر،
قال له : قل يا أبا العتاهية .
فقال أبو العتاهية مخاطبا أمير المؤمنين هارون الرشيد، قائلا له:
عش ما بدا لك سالما ( عش من العيشة والحياة)
عش ما بدا لك سالما ، في ظل شاهقة القصــــــور
فقال هارون الرشيد: هيه أكمل
قال يُسعى عليك بما اشتهيت لدى الرواح مع البكور
قال : هيه أكمل
قال: فإذا النفوس تقعقعت في ظل حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنا ما كنت إلا في غــــــــــــــــــرور
إنها اللحظة الحاسمة، إنها الساعة الحاسمة.
لقد عرفتُ إنسانا كان يسبح في البحر، ثم أشفى على الغرق، قال في تلك الساعة،
أحسست بحقارة الدنيا.
نعم أيها الأحبـــة :
ما دام للإنسان أمل قوي وتعلق بهذه الدنيا، فإنه لا يعرفها حق المعرفة، ويعرفها من أوشك على مفارقتها، وعلم أنها لا تساوي جناح بعوضة، إيه وربي، لا تساوي جناح بعوضة، ولو كانت تساوي جناح بعوضة، ما سقى الله منها كافرا شربة ماء، ولكنها للبر والفاجر،يأكل منها البر والفاجر.
{... وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }الزخرف35
رجل أصيب بمرض من الأمراض، ونزل المرض به حتى أشفى على النهاية، فنقل إلى المستشفى في الصباح الباكر،والناس يخرجون إلى أعمالهم،فكان ينظر إليهم ويقول في نفسه : أتسعون إلى خراب؟ أتسعون إلى فناء؟ يشعر بهذا من عَلِم حقيقة الدنيا،وأوشك على مفارقتها.
فأشعر نفسك يا عبد الله وأنت قوي جلْد في هذه الدنيا، بحقارتها ودناءتها ليأخذك ذلك إلى الآخرة، ليكون ذلك زادا لك، إلى لقاء الله عز وجل،ومن لُطفِ الله ورحمة الله، وكرم الله، أنا نتعامل مع رب كريم، يجازي الحسنة بعشر أمثالها،إلى سبع مائة ضعف،
ويزيد لمن يشاء من فضله وكرمه.
إن من حكمة الله عز وجل،أن يشعر الطائع بلذة طاعته وعبادته، في الدنيا قبل الآخرة.
أيها المغرور بدنياك ، على ما اغتررت بها؟ أللذة عاجلة ؟ أللذة فانية؟
إن أردن تلك اللذة في الدنيا وفي الآخرة، فعليك بتقوى الله والعمل الصالح:
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }النحل97
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ...َ }
تطيب الحياة، بالعمل الصالح ، فطيب حياتك يا عبد الله، بعمل صالح يبقى لك عند الله،
طيب حياتك بعمل صالح .
هذا رجل يعيش معنا في هذا العصر،خرج من وظيفته في موعد خروج الموظفين، وفي سيارته تذكر قائمة الطلبات التي كتبتها زوجته، فذهب إلى المحل التجاري ليشتري طلبات البيت، وعند باب المحل، رأى امرأة عجوز، تجلس تسأل الله من فضله، ولإن كنا نقول إن ظاهرة التسول،ظاهرة غير صحيحة،وأن فيها من الأخطاء ما فيها، لكن علم الله أن قلة من بين هؤلاء، لهم حاجة حقا، وقد كانت تلك المرأة كذلك، فانظر حفظك الله، أنظر رعاك الله، قال هذا الرجل: وقفت أمام تلك المرأة،مترددا أأخرج الريال من جيبي أو لا أخرجه، ثم تشجعت فأخرجت لها لريال، ووضعته وانصرفت ،
في الطريق أحسست بسعادة غامرة،أحسست أني ساعدت محتاج،أحسست أني أدخلت السرور على مسلمة،ولا زالت تلك السعادة في نفسي،حتى انطلقت إلى العمل في اليوم الثاني؛
فلما أحسست بضغوط العمل،خاطبت نفسي وقلت : هلم إلى سعادتك ، إلى حيت تضع الريال، قال فجئت إلى نفس المكان، وإذ بنفس المرأة جالسة في مكانها، فسلمت عليها فردت السلام،
ثم - قلت لها : كيف حالك يا خالة؟
- قالت : بخير والحمد لله،
- قال : فقلت في نفسي، وهي في هذا الحال، بخير والحمد لله؟
قال :فتشجعت وقلت لها ما قصتك؟ لماذا تجلسين هاهنا؟
- قالت أنا جدة لسبعة أطفال، توفي أبوهم قبل أربع سنوات،فلم تستطع أمهم أن تبقى في الشقة المستأجرة،لارتفاع سعر الإيجار عليها، فأتت بأبنائها السبعة إلى بيتي وأقامت عندي، بعد سنة وأربعة أشهر، توفيت الأم ،وأصبحت أنا الجدة العجوز ، العائل الوحيد لهؤلاء الأيتام،
ليس لهم بعد الله غيري.
- قال: فتألمت مما سمعت،أخذت العربة وأخذت آخذ أمتعة كأني آخذها لبيتي،ثم جمعتها جميعا،ودفعت الثمن،وأتيت إلى المرأة على باب المحل التجاري.
وقلت لها : يا خالة،كل هذا لك، فنظرت إلي متعجبة، كأنها تقول: كل هذا لي؟ - قال : نعم، هو لك وللأطفال، أفرحيهم بها
ففرحت المرأة وقامت وجمعت الأغراض، وأرادت أن تنصرف بها.
قال: فقلت لسائق الأجرة، أجرة السيارة عندي، ثم خطر ببالي أن أتبع هذه المرأة لأعرف صدقها، قال فانطلقت خلف سيارة الأجرة حتى وصلت البيت
فخرج الأطفال يحتضنوها ويقبلونها، وهم يرون الحلوى معها.
قال : فأثر فِيَّ هذا المشهد كل التأثير، مما جعلني أعيد حساباتي في هذه الدنيا.
كم من لذة لمن أدخل الفرحة على يتيم، كم من لذة لمن أدخل السعادة على امرأة أرملة،
كم من لذة يشعر بها أصحاب العمل الصالح، في محاريبهم وهم يتعبدون لله عز وجل،
كم من لذة في مناجاة الله، والخلو به، والأنس به سبحانه وبحمده، يدعونه ويرجونه ،
يدعونه تدرعا وخيفة،
يقولون : يا ألله..يا ألله..يا ألله، وهو يسمع شكاتهم ويجيب حاجاتهم،
سبحان مفرج الكروب، سبحان علام الغيوب، سبحان الملك الكبير المتعال.
أيها الأحبة:
إن هذه لهي حقيقة الدنيا، وإن أفضل ما يُكتسب فيها، عمل صالح يوصل إلى الآخرة؛
إن أفضل ما يكتسب في هذه الحياة ،وما ندخره ليوم البعث والنشور هو ما ندخره لحياتنا الحقيقية، لدارنا الحقيقية:
الجنة التي وعدنا الله إياها إن آمنا بالله وعملنا صالحا.
أختم خطبتي هذه،أختم خطبتي الأولى هذه ، بهذه القصة الواقعية التي أعرفها أنا،
أعرفها تمام المعرفة،أعرف صاحبها لتعلموا أنا نتعامل مع أكرم الأكرمين،
وأن الله عز وجل لا يضيع من قصد وجهه،
وأن الله عز وجل لا يضيع من أراد وجهه سبحانه وبحمده.
رجل من الناس كان في حياته ، بين بين ، بين عمل صالح وبين غير ذلك، ثم أراد الله هدايته، فهداه الله عز وجل إلى الخلو به والأنس به في ظلام الليل، في قيام الليل، يقوم وهو كبير في السن يصلي قيام الليل، فإذا تعب من القيام جلس، يظل يصلي حتى صلاة الفجر، وهكذا في كل ليلة، ثم إن الله عز وجل، مَنَّ عليه بكلمة كان يتلفظ بها دائما.
كان يقول : أحمدك يا ألله -أحمدك يا ألله-
فظل يردد هذه الكلمة ، ثم مَنَّ الله عز وجل عليه بحجة ختامية يختتم بها حياته،
فذهب إلى الحج، فكان يتعب نفسه في الطواف عند البيت ، يقول لعلني أموت وأنا أطوف بكعبة المسجد الحرام،فلم يمت، ثم أتعب نفسه في السعي بين الصفا والمروة ، فلم يمت ، ثم أتعب نفسه في يوم عرفة فلم يمت ، ظل هكذا حتى إذا شاء الله عز وجل أن يغسله إن شاء الله من الذنوب والخطايا بهذه الحجة مصداقا لقول النبي- صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
" من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه"
فرجع من حجته هذه يقول :لا أريد غير الله، لا أريد غير وجه الله،لأتفرغ للعبادة والطاعة، فالتقى بأبنائه وسلم عليهم جميعا، ثم في الليل أتته النوبة القلبية، فحملوه إلى المستشفى،
وهناك في قسم الطوارئ ، أدخلوه إلى قسم العناية المركزة، ومنعوا أبناءه على الباب من الدخول ، ثم صرفوهم جميعا، وبقي في غيبوبته،
كلما أفاق، قال: - أحمدك يا ألله - أحمدك يا ألله.
وولده عند الباب، يقول حتى إذا كانت الساعة الأخيرة من الثلث الآخر من الليل،
حتى إذا كانت الساعة الأخيرة من الثلث الآخر من الليل،
سمعت أبي يردد: أحمدك يا ألله أحمدك يا ألله ،
وصوت في غرفة أبي، لا أستطيع الدخول، أريد أن أفدي أبي بنفسي ، ولكني لا أستطيع، فوضعت أذني على الباب لأسمع ما يدور ، فسمعت الممرضة تقول:
يا دكتور، المريض يتكلم وقلبه قد توقف، المريض يتكلم وقلبه قد توقف،
إنها حسن الخاتمة،يختم بها إن شاء الله، يختارها الله عز وجل لمن أراد وجهه، لمن عرف حقيقة الدنيا وأنها دار زوال ، لمن استغلها في العمل الصالح.
أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يختم لي وإياكم بخير.
أقول قولي هذا وأستغفر الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه،وأصلي وأسلم على النبي المبعوث بالهدى النبي أحمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تعبد ،
أما بعد.
أيها الأحبة في الله:
ليس معنى ما تقدم ، أن الإنسان يُغفل الدنيا تماما، بل إن النصوص الشرعية دالة على عمارة هذا الكون :
{... هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ...}هود61
وقال جل وعلا: {...وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }القصص77
هذه هي الحقيقة المعتدلة، والنظرة المتوازنة.
أن الدنيا دار عبور للآخرة، وأنه لا بد منها، وأن لا ينس الإنسان نصيبه منها، ولكن يكن ذلك كله دافعا له للعمل الصالح وللمزيد من فعل الخيرات والقربات التي تقرب من ذي العرش زلفى سبحانه وبحمده ، إن دارنا الحقيقية هي الجنة التي وعدنا الله إياها.
واعمل لدار غدا رضوان خازنها *** الجار أحمد والرحمن ناشيها
هذه هي الحقيقة التي وُعدنا بها في الآخرة ، فلنتخذ الدنيا معبرا وسلما يوصل إلى لآخرة .
أعبروها ولا تعمروها
ولنستغل ذلك في العمل الصالح، من أجل جنات عدن ، تلك الجنة التي: {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً }مريم61
جنات عدن التي وعد الله عز وجل المؤمنين والمتقين،والتي قال جل وعلا عنها:
{ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ{13} وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ{14}الواقعة
هذه الجنة أيضا قال جل وعلا عنها:
{ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ{39} وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ{40}الواقعة
فهناك المقربون وهناك أصحاب اليمين وهناك أصحاب الشمال.
فاعمل يا عبد الله ، لتكون من أصحاب اليمين، لتكون من المقربين، الذين لهم عند الله عز وجل حظوة وقربى منه سبحانه وبحمده.
واحذر يا عبد الله، أن تغتر بزينة الحياة الدنيا، وأن تشدك إليها، فتركن إلى الأرض، فتخرج منها سريعا بلا عمل صالح يبلغك رضوان الله عز وجل.
أكرم بجنات النعيم وأهلهـــــــا *** إخوان صدق أيما إخــــــــوانِ
جيران رب العالمين وحزبــــه *** أكرم بهم في صفوة الجيـــران
هم يسمعون كلامه ويرونــــــه *** المقلتان إليه ناظــــــــــرتـــان
عليهم فيها ثياب سنـــــــــــدس *** وعلى المفارق أحسن التيجـان
تيجانهم من لؤلؤ أو زبرجـــــد *** أو فضة من خالص العقيـــــان
إن كنت مشتاقا لها كَلِفا بــهــــا *** شوق الغريب لرؤية الأوطــان
كن محسنا فيما استطعت فربما *** تجزى عن الإحسان بالإحسان
واعمل لجنات النعيم وطيبهــــا *** فنعيمها يبقى وليس بفـــــــــان
- الجنة تحتاج إلى عمل، والدنيا هي المزرعة.
- الجنة تحتاج إلى عمل، والدنيا هي المزرعة.
- الجنة تحتاج إلى عمل، والدنيا هي المزرعة.
لقد وعد الله عز وجل المؤمنين العاملين بجنات الفردوس:
{ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى{5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى{6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى{7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى{8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى{9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى{10} } – الليل
وفي صحيح مسلم، أن النبي - صلى الله عليه وسلم –
قال:"اعملوا، فكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له"
فمن يشتري الجنة ؟
من يشتري الجنة؟ بركعتين في ظلام الليل.
من يشتري الجنة؟ بدرهم ينفقه في سبيل الله.
من يشتري الجنة؟ بصيام يوم في حر الصيف.
من يشتري الجنة؟ ببر الوالدين.
من يشتري الجنة؟ بتلاوة القرآن لكريم.
من يشتري الجنة؟ بعمل الطاعات التي تقرب من الله عز وجل.
من يشتري الجنة؟
فحيا على جنات عدن فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم
وحيا على طيب بـــــها وعيش بـــها ليس يســــــــــــأم
الهم إنا ندعوك وأنت أحق من دُعي ، ونرجوك وأنت أحق من رُجي، الهم اغفر لنا ذنوبنا كلها ، دقها وجلها،
الهم ارزقنا الجنة، الهم ارزقنا الجنة، الهم ارزقنا الجنة،
اللهم إنا نعوذ بك من النار،الهم أجرنا من عذاب النار، اللهم أجرنا من عذاب النار، الهم أجرنا من عذاب النار،
الهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضى جميع المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين،اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح من وليته أمرنا، وولي علينا خيارنا ،واكفنا شرارنا، برحمتك يا أرحم الراحمين، الهم بارك في مملكة البحرين حكومة وشعبا، اللهم ارزق أهل هذا البلاد الصواب والسداد، ووفقهم جميعا لما تحب وترضى، اللهم أصلح جميع أحوال أمتنا يا كريم، الهم أزل البأساء عن البائسين، والضراء عن المتضررين، وأصلح جميع أحوال المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا قد اجتمعنا في بيتك ضيوفا عليك وأنت الملك، الهم إن صاحب البيت يكرم الضيوف، اللهم أكرمنا بقضاء حاجاتنا، اللهم إن كلا منا في صدره حاجة، اللهم فلا تصرفنا إلا وقد قضيت حاجتنا، بكرم منك يا ذا الكرم، بكرم منك يا ذا الكرم، إلهنا قد عودتنا كرمك منذ كنا صغارا، اللهم فأدمه علينا مدرارا.
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد
وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد
قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
--------------------