ملخص الخطبة: 1- من أسباب الهداية توفيق الله للعبد. 2- من أسباب الهداية عمل الصالحات. 3- من أسباب الهداية الذكر والتفكر وتلاوة القرآن. 4- من أسباب الهداية رفقة الصالحين. |
الخطبة الأولى أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين واخشوا يومًا ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون. عباد الله: أتحدث إليكم عن أسباب الهداية التي يبحث عنها الكثير من الناس، ولا شك أن الهداية إلى الصراط المستقيم هدف ينشده كل مسلم مع تفاوت الناس في جدية الطلب وصدق العزيمة وبلوغ الهدف، وإلى كل راغب في الهداية وباحث عن أسبابها ومتطلع للجنان العالية، عاشق لحورها ومؤمل في نعيمها، ومستجير من النار وفار من حرها وزمهريرها ومن زقومها، وسائر عذابها أسوق إليكم بعض الأسباب والعوامل التالية للهداية إلى الله بإذن الله: أولاً: سعة الصدر وانشراحه للإسلام وتعاليمه قال تعالى: فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى ٱلسَّمَاء كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ [الأنعام: 125]. ومفتاح شرح الصدر للإسلام التوحيد الذي لا يخالطه أدنى شك أو شرك مع الله، وإذا كان الهدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر فإن الشرك والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر وحرجه فحققوا التوحيد وعمقوا الإيمان. قال ابن عباس رضي الله عنهما فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ يقول: يوسع قلبه للتوحيد والإيمان به. وقيل: يا رسول الله كيف يشرح صدره قال: ((نور يقذف فيه فينشرح له وينفسح)) قالوا: فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال: ((الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل لقاء الموت)). عباد الله: وإذا كان التوحيد مفتاح الهداية فإن عمل الصالحات والتقرب إلى الله بسائر الطاعات هي الأسنان لهذا المفتاح، ومن هنا فاحرص على أن يكون لك حظ من كل طاعة وقربة، وإياك أن تغمس نفسك في الشهوات وتغرق قلبك بالمحرمات. فحذار أخي المسلم أن تسيطر عليك الغفلة أو أن تغريك اللذات العاجلة فتنسيك ما أمرك الله به أو تدعوك لفعل ما نهاك الله عنه، وتذكر وأنت في الدنيا محادثة أهل النار واعترافهم قالوا: مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذّبُ بِيَوْمِ ٱلدّينِ حَتَّىٰ أَتَـٰنَا ٱلْيَقِينُ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَـٰعَةُ ٱلشَّـٰفِعِينَ فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ [المدثر: 42ـ 49]. ثانيًا: من أسباب الهداية استدامة ذكر الله تعالى، فذكر الله على كل حال سبب جالب لارتباط القلب بالله وعامل مهم لطمأنينة القلب وانشراح الصدر يقول سبحانه: أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ [الرعد: 28]، وهل تعلم أخي رعاك الله أنك على قدر ذكرك لله يذكرك الله فاذكروني أذكركم بل يزيد الله تفضلاً منه ورحمة فيذكرك أكثر (( من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)) وهل علمت أنك حينما تتغاضى وتتكاسل عن ذكر الله يسلط الله عليك الشياطين ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانًا فهو له قرين)). ويا من تبحث عن الهداية في مظانها، وترغب في الجنة مهما كان ثمنها، إليك هذه الوصية الغالية من أبي الأنبياء إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم فيقول النبي : ((لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)) رواه الترمذي. وليس يخفى عليكم أن مفتاح الجنة لا إله إلا الله، وأن لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة. ثالثًا: من أسباب الهداية: تلاوة القرآن الكريم بتدبر وتمعن وخشوع، وهو وإن كان من أنواع الذكر إلا أن إفراده بالذكر لعظيم أهميته ومزيد العناية به قال تعالى: إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ [الإسراء: 9] فيهدي القرآن أقوامًا وأجيالاً بلا حدود من زمان أو مكان وتستمر هداية القرآن إلى نهاية الوجود. فيهدي للعقيدة الصافية الصحيحة ويهدي للتعلق بالله تعالى، ويهدي هذا القرآن إلى كل خلق فاضل وكريم. رابعًا: ومن أسباب الهداية التفكر في مخلوقات الله والنظر في ملكوت السموات والأرض، ولا شك أن العاقل المتأمل في هذا الكون سيعود بعد رحلة التأمل مؤمنًا خاشعًا مهتديًا بهداه فليست الطبيعة بقادرة على هذا الخلق والإحياء ويستحيل أن تكون الصدفة وراء هذا الكون والوجود إلا أن الخلاق العليم تعترف به العقول وتهتدي إليه أولو الألباب يقول سبحانه: إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لاَيَـٰتٍ لاِوْلِى ٱلاْلْبَـٰبِ ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـٰطِلاً سُبْحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران: 90، 91]. بل ويلفت الله نظر الإنسان إلى التأمل في نفسه وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ [الذاريات: 21] ويزداد العاقل إيمانًا بخالقه وهو يرى عجائب قدرته في نفسه فلا يملك من أمر نفسه شيئًا وتتحرك أعضاؤه التي بين جنبيه بلا إرادة منه وتقوم بأدوارها المرادة لها دون رقابة منه أو توجيه أو ليس ذلك منتهى الإعجاز، أو ليس ذلك ببرهان وطريق إلى الهداية والإيمان لمن تأمل وأراد الله به الخير والتوفيق إلى الصراط المستقيم؟ بلى والله. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم. |
الخطبة الثانية: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد: ومن أسباب الهداية رفقة الصالحين والأخيار واختيار الأقران، فكم من ضال هداه الله على أيدي الصالحين الأخيار، وكم من فاجر شاء الله له الهداية على أيدي أقران ما زالوا به حتى سلكوا به طريق النجاة، وإذا كان المرء لا بد له في هذه الحياة من خليل فلينظر أحدكم من يخالل؛ فإن المرء على دين خليله، وليس بخاف عليك أخي المسلم أثر الجليس الصالح والجليس السيئ من خلال حديث رسول الله فاستعن بالله تعالى واقترب من الأخيار وجاهد نفسك وروضها على مصاحبة الأخيار. سادسًا: من أسباب الهداية ألا وهو الدعاء فهو سلاح المؤمن في الشدائد والقمة الكبرى بلا جهد ولا ثمن، ومهما بذلت من أسباب الهداية فليكن الدعاء بالتوفيق للصراط المستقيم ديدنك ولا تسأم أو تستكثر الدعاء فتقول دعوت ودعوت فلم يستجب لي فتلك آفة فاحذرها، فدعاؤك محفوظ فإما أن يعطيك الله ما دعوت أو يصرف عنك من السوء مثله أو يدخر لك دعوتك حين تلقاه وأنت أشد حاجة إليه. يقول سبحانه: وقال ربك ادعوني أستجب لكم... داخرين، ويقول تعالى في الحديث: ((يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم)) فألحوا على الله بالدعاء. عباد الله: واستغلوا أوقات الإجابة أسأل الله الهداية للجميع والثبات على الصراط المستقيم. اللهم صلى على محمد... |
خطبة بعنوان من أسباب الهداية
الشيخ مصطفى- رئيس مجلس إدارة المنتدى
- عدد المساهمات : 1147
- مساهمة رقم 1