الاقتصار على كتابة "ص"
أو"صلعم" أمام اسمه صلى الله عليه وسلم في الكتب، والرسائل،
والامتحانات، من فعل المستشرقين وتلاميذهم، وليس هو مسلك علماء السلف الصالحين
الصلاة على الرسول صلى الله
عليه وسلم كلما ذكر اسمه أومر عليه في كتاب أوسطر عبادة من العبادات، وقربة من
أفضل القربات، ومن ثم فالأمر فيها توقيفي، فينبغي أن يتلفظ بها أوتكتب، نحو
"صلى الله عليه وسلم" أو"عليه الصلاة والسلام"، ولا يكتفى
باختصار ذلك اختصاراً مخلاً، نحو كتابة "ص" أو"صلعم"، لأن هذه
لا تعتبر صلاة.
لقد أمر صلى الله عليه وسلم
أن يصلي عليه كل من ذكر عنده، فقال: "من ذكرت عنده فليصل عليَّ، فإنه من صلى
عليَّ مرة صلى الله عز وجل عليه عشراً".1
بل لقد دعا صلى الله عليه
وسلم على من ذكر عنده فلم يصل عليه، فقال: "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلِّ
عليَّ"2.
ووصف من ذكر عنده النبي صلى
الله عليه وسلم فلم يصل عليه بالبخل، فقال: "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل
عليَّ".3
رغم كل ذلك فقد درج البعض
على الاكتفاء والاقتصار في الكتب والرسائل على كتابة "ص"
أو"صلعم" من غير أن يتلفظوا بالصلاة عليه أثناء الكتابة، تقليداً
للمستشرقين وتلاميذهم، إذ أن سلوك علماء السلف والخلف إذا كتب اسمه صلى الله عليه
وسلم أن يكتب أمامه "صلى الله عليه وسلم"، أو"عليه الصلاة
والسلام"، وأضعف الإيمان أن يتلفظ بالصلاة عليه إثر كتابة اسمه.
قال الخطيب البغدادي رحمه
الله في كتاب "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"4،
تحت مبحث: "رسم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب": (ينبغي
إذا كتب اسم النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب معه الصلاة عليه)، بعد أن ذكر
أحاديث في فضل ذلك لا تخلو من مقال:
(رأيت بخط أبي عبد الله
أحمد بن محمد بن حنبل في عدة أحاديث اسم النبي صلى الله عليه وسلم – ولم يكتب
الصلاة عليه، وبلغني أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم نطقاً لا خطاً،
وقد خالفه غيره من الأئمة المتقدمين في ذلك.
ثم قال: قال ابن سنان: سمعت
عباساً العنبري وعلي بن المديني يقولان: ما تركنا الصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم في كل حديث سمعناه، وربما عجلنا فنبيض الكتاب في كل حديث حتى نرجع إليه).
وقال النووي: (يستحب لقارئ
الحديث وغيره ممن في معناه إذا ذكر اسم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرفع صوته
بالصلاة عليه والتسليم، ولا يبالغ في الرفع مبالغة فاحشة).5
وقال ابن كثير: (وقد استحب
أهل الكتابة أن يكرر الكاتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما كتبه).6
قال الدكتور الحسين أيت
سعيد في معرض نقده القيم على مؤلف كتاب "القول المنصف في الغناء
والمعازف"7 الأستاذ عبد الباري الزمزمي، معدداً الكثير
من المآخذ ضمن الخلل المنهجي للكتاب: (ومنه أنه تكرر اسم النبي صلى الله عليه وسلم
في كتابه مرات كثيرة، ولم يتم كتابة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو
مرة واحدة بالاستقراء، وإنما يكتب أمامه "ص"، وهذا مخالف للمنهج الحق،
إذ لن نجد أحداً ممن يعظم النصوص يغفل عن كتابة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
تامة، فالاقتصار على كتابة "ص" أو"صلعم" أمام اسم النبي صلى
الله عليه وسلم لم يعرفه علماء الحديث قديماً وحديثاً، وإنما تسرب إلى كتاباتنا من
كتابات المستشرقين والمستغربين الذين تتلمذوا لهم، وعلماء الحديث في كتب المصطلح
يؤكدون على كتابة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تامة، لأنها الفضل العظيم الذي
يتعجله طالب العلم في الدنيا).
قلت: يلاحظ ذلك بصورة جلية
في أوراق إجابات الطلاب الشرعيين دعك عن غيرهم، وقد نبهناهم على ذلك كثيراً ولا
زلنا ننبه لأهمية هذا الأمر وخطورة التغافل عنه، وما زلت أقول لهم ربما يكون حظك
الأوفر ونصيبك الأفضل حرصك على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تغبن
نفسك وتحرمها من هذا الفضل؟ وعلى الكاتب والسامع ألا يدع الصلاة عليه نطقاً وكتابة
مهما تكرر اسمه وكثر.
لا يصلح آخر هذه الأمة إلا
بما صلح به أولها، كما قال مالك رحمه الله، وما لم يكن في ذاك اليوم ديناً فلن
يكون اليوم ديناً كما أثر عنه أيضاً.
من المصائب العظيمة التي
ابتلينا بها في هذا العصر تشبهنا بالكفار، وحرصنا على الاقتداء بهم، مع تحذير
رسولنا صلى الله عليه وسلم لنا عن ذلك، حيث قال: "من تشبه بقوم فهو
منهم"8،
هذا بجانب تنبئه بذلك: "لتتبعن سنن من كان قبلكم..".9
لقد هُجرت كثير من السنن،
وقام على أنقاضها العديد من البدع، بسبب عدم التناصح، وصدق من قال: "لا خير
فيمن لا ينصح للأمة"، فترك التناصح والاستنكاف عن قبول النصيحة من الطوام
العظام التي عمت بها البلوى في هذا العصر.
اللهم ردنا إليك رداً
جميلاً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب
الملوان[/size]
أو"صلعم" أمام اسمه صلى الله عليه وسلم في الكتب، والرسائل،
والامتحانات، من فعل المستشرقين وتلاميذهم، وليس هو مسلك علماء السلف الصالحين
الصلاة على الرسول صلى الله
عليه وسلم كلما ذكر اسمه أومر عليه في كتاب أوسطر عبادة من العبادات، وقربة من
أفضل القربات، ومن ثم فالأمر فيها توقيفي، فينبغي أن يتلفظ بها أوتكتب، نحو
"صلى الله عليه وسلم" أو"عليه الصلاة والسلام"، ولا يكتفى
باختصار ذلك اختصاراً مخلاً، نحو كتابة "ص" أو"صلعم"، لأن هذه
لا تعتبر صلاة.
لقد أمر صلى الله عليه وسلم
أن يصلي عليه كل من ذكر عنده، فقال: "من ذكرت عنده فليصل عليَّ، فإنه من صلى
عليَّ مرة صلى الله عز وجل عليه عشراً".1
بل لقد دعا صلى الله عليه
وسلم على من ذكر عنده فلم يصل عليه، فقال: "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلِّ
عليَّ"2.
ووصف من ذكر عنده النبي صلى
الله عليه وسلم فلم يصل عليه بالبخل، فقال: "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل
عليَّ".3
رغم كل ذلك فقد درج البعض
على الاكتفاء والاقتصار في الكتب والرسائل على كتابة "ص"
أو"صلعم" من غير أن يتلفظوا بالصلاة عليه أثناء الكتابة، تقليداً
للمستشرقين وتلاميذهم، إذ أن سلوك علماء السلف والخلف إذا كتب اسمه صلى الله عليه
وسلم أن يكتب أمامه "صلى الله عليه وسلم"، أو"عليه الصلاة
والسلام"، وأضعف الإيمان أن يتلفظ بالصلاة عليه إثر كتابة اسمه.
قال الخطيب البغدادي رحمه
الله في كتاب "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"4،
تحت مبحث: "رسم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب": (ينبغي
إذا كتب اسم النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب معه الصلاة عليه)، بعد أن ذكر
أحاديث في فضل ذلك لا تخلو من مقال:
(رأيت بخط أبي عبد الله
أحمد بن محمد بن حنبل في عدة أحاديث اسم النبي صلى الله عليه وسلم – ولم يكتب
الصلاة عليه، وبلغني أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم نطقاً لا خطاً،
وقد خالفه غيره من الأئمة المتقدمين في ذلك.
ثم قال: قال ابن سنان: سمعت
عباساً العنبري وعلي بن المديني يقولان: ما تركنا الصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم في كل حديث سمعناه، وربما عجلنا فنبيض الكتاب في كل حديث حتى نرجع إليه).
وقال النووي: (يستحب لقارئ
الحديث وغيره ممن في معناه إذا ذكر اسم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرفع صوته
بالصلاة عليه والتسليم، ولا يبالغ في الرفع مبالغة فاحشة).5
وقال ابن كثير: (وقد استحب
أهل الكتابة أن يكرر الكاتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما كتبه).6
قال الدكتور الحسين أيت
سعيد في معرض نقده القيم على مؤلف كتاب "القول المنصف في الغناء
والمعازف"7 الأستاذ عبد الباري الزمزمي، معدداً الكثير
من المآخذ ضمن الخلل المنهجي للكتاب: (ومنه أنه تكرر اسم النبي صلى الله عليه وسلم
في كتابه مرات كثيرة، ولم يتم كتابة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو
مرة واحدة بالاستقراء، وإنما يكتب أمامه "ص"، وهذا مخالف للمنهج الحق،
إذ لن نجد أحداً ممن يعظم النصوص يغفل عن كتابة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
تامة، فالاقتصار على كتابة "ص" أو"صلعم" أمام اسم النبي صلى
الله عليه وسلم لم يعرفه علماء الحديث قديماً وحديثاً، وإنما تسرب إلى كتاباتنا من
كتابات المستشرقين والمستغربين الذين تتلمذوا لهم، وعلماء الحديث في كتب المصطلح
يؤكدون على كتابة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تامة، لأنها الفضل العظيم الذي
يتعجله طالب العلم في الدنيا).
قلت: يلاحظ ذلك بصورة جلية
في أوراق إجابات الطلاب الشرعيين دعك عن غيرهم، وقد نبهناهم على ذلك كثيراً ولا
زلنا ننبه لأهمية هذا الأمر وخطورة التغافل عنه، وما زلت أقول لهم ربما يكون حظك
الأوفر ونصيبك الأفضل حرصك على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تغبن
نفسك وتحرمها من هذا الفضل؟ وعلى الكاتب والسامع ألا يدع الصلاة عليه نطقاً وكتابة
مهما تكرر اسمه وكثر.
لا يصلح آخر هذه الأمة إلا
بما صلح به أولها، كما قال مالك رحمه الله، وما لم يكن في ذاك اليوم ديناً فلن
يكون اليوم ديناً كما أثر عنه أيضاً.
من المصائب العظيمة التي
ابتلينا بها في هذا العصر تشبهنا بالكفار، وحرصنا على الاقتداء بهم، مع تحذير
رسولنا صلى الله عليه وسلم لنا عن ذلك، حيث قال: "من تشبه بقوم فهو
منهم"8،
هذا بجانب تنبئه بذلك: "لتتبعن سنن من كان قبلكم..".9
لقد هُجرت كثير من السنن،
وقام على أنقاضها العديد من البدع، بسبب عدم التناصح، وصدق من قال: "لا خير
فيمن لا ينصح للأمة"، فترك التناصح والاستنكاف عن قبول النصيحة من الطوام
العظام التي عمت بها البلوى في هذا العصر.
اللهم ردنا إليك رداً
جميلاً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب
الملوان[/size]