السبائك
الذهبية في العقيدة السلفية
لأبي جهاد سمير الجزائري
هذه خمسون مسألة في العقيدة اختصرتها بعد قراءتي للكتاب الموسوم
ب( تذكير الخلف بوجوب اعتماد فهم السلف)
سائلا الله جل و علا الإخلاص في القول والعمل.
• مذهب سلف الأمة وأئمتها في باب الأسماء والصفات ينص
على أننا نثبت لله تعالى كل ما سمى به نفسه في كتابه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونصف
الله تعالى بما وصف به نفسه في كتابه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح سنته ، وننفي عنه
جل وعلا كل ما نفاه عن نفسه من الأسماء والصفات في كتابه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم في صحيح
سنته ، من غير
تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل ، لأن الله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصيروالمتقرر عند
سلف الأمة وأئمتها أن كل ما نفاه الله تعالى عن نفسه فالواجب فيه أمران : الأول: نفي ما نفاه الله تعالى
عن نفسه ، الثاني :- إثبات كمال
الضد له .وأما من زاغ عن هذا الفهم فإنهم لا يصفون الله تعالى إلا
بالنفي المحض الذي
لا يتضمن ثبوتا ، فيقولون :- الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت ، ولا يرى في الآخرة ، ولا حي
ولا ميت ولا موجود ولا معدوم ، ولا يسمع ولا يبصر ، ولا ، ولا
ولا ، وإذا نظرت إلى هذا النفي وجدته يتضمن عدة مخالفات : الأولى :- أنه نفي لما ثبت الدليل به من الكتاب
والسنة ، الثاني :- أنه نفي لا يتضمن ثبوتا ، فهو نفي محض ، الثالث :- أنه نفي يفضي إلى القول بأن الله
تعالى معدوم ، فإنهم إذا وصفوا الله تعالى إنما يصفوه بالسلوب - أي بالنفي - والاقتصار على الوصف بالنفي
يؤدي إلى هذه
النتيجة ، ولذلك قال أهل السنة :- الممثل يعبد صنما ، والمعطل يعبد عدما ، لأن المعطل لم يصف ربه إلا بالنفي
فقط ، الرابع :- أنه بني على فهم مخالف لفهم سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة
الهدى ، والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم السلف في مسائل العقيدة والعمل فإنه باطل.
• اتفق سلف الأمة رحمهم الله تعالى على أن معاني
الصفات معلومة ، وأن كيفياتها على ما هي عليه مجهولة ،
فالعلم بمعاني الصفات متفق عليه بين الأئمة من أهل السنة والجماعة فالصفات تعلم باعتبار ، وتجهل باعتبار ،
فتعلم باعتبار معانيها اللغوية ، وتجهل باعتبار كيفياتها ، هذا
فهم السلف ، ومن نسب السلف لغير هذا فقد كذب أو ضل ، أو أخطأ ، فالسلف متفقون على العلم بالمعنى ، ومتفقون
على الجهل بالكيف ، لأن العلم بالكيفية لا يكون إلا برؤية الشيء أو رؤية نظيره أو إخبار الصادق عن هذه
الكيفية ، وكلها منتفية في حق كيفية صفات الله تعالى.
• أجمع سلف الأمة وأئمتها على أن باب الأسماء والصفات لله
تعالى من الأبواب التوقيفية على النص ، فلا مدخل للعقول فيها ، فلا يدخلون في هذا الباب متأولين
بآرائهم ولا متوهمين بأهوائهم فإن العقول لو كانت تعرف ما يليق بالله تعالى من الصفات على وجه التفصيل لما
احتاجت البشرية إلى إرسال الرسل
وإنزال الكتب ، ولما علق الهداية والصلاح على متابعة الوحي ، ثم إن
العقول أقصر وأحقر
من أن تدخل في باب هو من أبواب الغيب ، ثم إن العقول متفاوتة ، فبأي عقل نزن الكتاب والسنة ؟ أبعقل
الأشعري الذي يثبت الأسماء وسبع صفات فقط ، أو بعقل المعتزلي الذي يثبت الأسماء وينفي الصفات ، أم بعقل الجهمي
الذي ينكر الأسماء والصفات كلها ،
أم بعقل الفلاسفة الذي ينكرون دخول الإثبات في صفات الله تعالى ولا
يقرون إلا النفي فقط
، فيقولون :- املأ الدنيا نفيا ، ولكن لا تثبت صفة واحدة ، أم بعقل غلاة الغلاة من الباطنية والقرامطة الذين
ينفون النفي والإثبات ، فيقولون :- لا حي ولا ميت ولا عالم ولا جاهل ولا موجود ولا معدوم ، فينفون الصفة
ونقيضها ، بالله عليك ، أي العقول أحق أن تتبع ؟.
• اتفق سلف الأمة وأئمتها على اعتماد طريقة الرسل صلوات الله
وسلامه عليهم في الإثبات المفصل والنفي المجمل ، فإن طريقة الرسل عليهم الصلاة والسلام في جانب إثبات
الأسماء والصفات لله تعالى هي التفصيل ، وفي جانب النفي هي الإجمال ، وهي طريقة القرآن والسنة وطريقة
الصحابة والتابعين.
• اتفق سلف الأمة وأئمتها على إثبات الرؤية يوم القيامة
- أي رؤية الله تعالى - فأهل السنة والجماعة متفقون الاتفاق القطعي على أن الله
تعالى يُرى يوم القيامة ، فيرى يوم القيامة ويُرى بعد دخول الجنة ، وأهل السنة مجمعون على أنها رؤية
حقيقية بالعيان ،
على الكيفية التي يريدها الله تعالى وقد انعقد إجماع أهل السنة رحمهم الله تعالى على هذه المسألة ،
فالسلف الصالح يفهمون من أدلة الرؤية عدة أمور:
الأول :- أنها رؤية حق وثابتة ، ولا محيص عن الإيمان بها
،
الثاني
:- أنها رؤية عيان بالأبصار ،
الثالث :- أنها ستكون في العرصات وبعد دخول الجنة
الرابع :- أنها رؤية لا تستلزم نقصا ولا عيبا في حق الرب
جل وعلا ،
الخامس :- أنها على الكيفية التي يريدها الرب جل وعلا.
• اتفق سلف الأمة وأئمتها من الصحابة
والتابعين ومن تبعهم على الحق من أهل السنة إلى ساعتنا هذه أن مما يوصف الله تعالى به :
- أنه مستو على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته ، وأنه ليس كاستواء المخلوق ولذلك فإن مذهب السلف في
الصفات يقوم على ثلاثة أصول:
الأول :- إثبات الصفة التي يدور حولها النص ، يعني التي
أثبتها النص ،
الثاني :- الاعتقاد الجازم أنها مما يليق بالله تعالى
فلا يماثله فيها شيء من صفات مخلوقاته ،
الثالث :- قطع الطمع في التعرف على كيفية هذه الصفة.
• اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن الألفاظ المجملة
المبهمة التي تحتمل الحق والباطل كلفظ الجهة والجسم والحيز والمكان أنها لا ترد مطلقا
ولا تقبل مطلقا ،
وإنما هي موقوفة على التفصيل ، حتى يتميز حقها من باطلها فيقبل الحق ويرد الباطل .
• اتفق الأئمة على أن التشريع أمر موقوف على الكتاب
والسنة على فهم
سلف الأمة فلا مدخل لغيرها في التشريع ، فلا تؤخذ العقائد عند السلف
إلى من الكتاب والسنة
فقط ، ولا ثالث لها ، ولكن لابد أن يكون الأخذ بها مقرونا بفهم سلف الأمة ، فالسلف رحمهم الله تعالى
فهموا أن أدلة الكتاب والسنة وافية كافية في تقرير أمور المعتقد ، وأما من زاغ وحاد عن سبيلهم فإنه لا ينظر
إلى الكتاب والسنة نظر اعتبار ،
بل عامة أهل البدع والضلالات لا يرون أن الكتاب والسنة من المصادر
التي يؤخذ منها المعتقد.
• اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن القرآن كلام الله تعالى
منزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود ، وأنه كلام الله تعالى حقيقة حروفه
ومعانيه ، ليس كلامه
الحروف فقط دون المعاني ولا المعاني دون الحروف ، بل الحروف والمعاني كلها كلام الله تعالى ، وأن الله
تعالى تكلم به حقيقة وسمعه منه جبريل ، وبلغه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم بلغه النبي صلى الله عليه
وسلم إلى الصحابة ، وبلغه الصحابة إلى كافة الأمة ، ولا تزال الأمة تتناقله خالفا عن سالف ، وحفظه
في الصدور والسطور
والأوراق لا يخرجه عن كونه كلام الله تعالى على الحقيقة.
• اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن الله تعالى
يوصف بالعلو المطلق في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله ، فأسماؤه لها العلو المطلق في الحسن
والكمال ، وصفاته لها العلو المطلق في
الجمال والكمال من كل وجه ، وأفعاله لها العلو المطلق في الكمال
والحكمة ، وله العلو
المطلق في القهر . أجمع أهل السنة والجماعة على أن لله تعالى يدين لائقتين بجلاله وعظمته وأنهما من
صفاته الذاتية ، وأجمعوا على أنه له وجها لائقا بجلاله وعظمته ، وأجمعوا على أن الله تعالى موصوف بالأصابع
والقدم والساق ، وأجمعوا على أنه تعالى موصوف بالحياة والعين والسمع والبصر ، وأنه تعالى موصوف بالرحمة
والرضا والعفو
والمغفرة ، وأنه موصوف بالغضب والمقت والكراهية ، وأنه يُحِبُ ويُحَب ، وكل ذلك حق على حقيقته ، نفهم
معناه ونكل العلم بكيفيته لله تعالى ، والمتقرر عند سلف الأمة وأئمتها أن الاتفاق في الأسماء لا يستلزم
الاتفاق في الصفات ، وأن الاتفاق في
الاسم الكلي العام لا يستلزم الاتفاق بعد التقييد والتخصيص والإضافة.
• سلف الأمة وأئمتها رحمهم الله تعالى يفهمون أن ما
أضافه الله تعالى له من الأشياء لا يخلو من حالتين :
- إما إضافة شيء لا يقوم بذاته ،
- وإما إضافة شيء يقوم بذاته, فالأشياء المضافة إلى الله
تعالى إن كانت لا تقوم بذاتها فالسلف لا يفهمون منها إلا أنها من باب إضافة الصفة إلى موصوفها ،
وإن كانت مما يقوم بذاتها فهي من
باب إضافة التكريم والتشريف ، أو المخلوق إلى خالقه ، لا يفهم سلف
من الإضافة إلا هذين
القسمين.
• الروح عند أهل السنة كافة مخلوقة مبتدعة مربوبة مدبرة
، وما خالف هذا الفهم فإنه باطل ، لأن المتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة
وأئمتها فهو باطل .
• اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن التبرك بالذات مما خص
به ذات النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز التبرك بذات أحد من الخلق إلا بذاته صلى
الله عليه وسلم ،
وما اتصل بها وهذا متفق عليه بين الأئمة رحمهم الله تعالى ، فقد كانوا يتبركون بوضوئه ونخامته وعرقه
وثيابه وغير ذلك مما ثبتت به الأدلة ، وهذا التوسل يجوز عند أهل السنة بآثاره ولو بعد مماته صلى الله
عليه وسلم ، ولا شيء من آثاره قد
بقي الآن عند عامة أهل العلم ، والذي يهمنا هنا هو أن الصحابة رضي
الله عنهم فهموا أن
هذا التبرك من خصائصه صلى الله عليه وسلم ، ولذلك فإنهم لم يكونوا يتبركون بشيء من آثار غيره ، حتى وإن بلغ
في الصلاح والورع والعلم والزهد ما بلغ ولأن المتقرر أن الأصل في التبرك بالأعيان والأزمنة والأمكنة
التوقيف على الدليل ، وأين الدليل
الدال على جواز التبرك بالأولياء والصالحين ؟ ولأن وجود البركة في الشخص من أمور الغيب ، والمتقرر أن أمور
الغيب مبناها على النص الصحيح الصريح ، وأما البركة الموجودة في كل مسلم ، فإنها بركة معنوية لازمة ،
لا ذاتية متنقلة ، وهي بركة العمل
والإيمان ، وبركة العمل بمقتضى منهاج النبوة والخلط بين نوعي البركة
هو الذي أوجب كثيرا
من البدع في باب التبرك ، وأزيدك فائدة في تقرير بعض القواعد في باب التبرك لتكون على بصيرة من الأمر في
هذا الباب :
الأولى :- الأصل في التبرك التوقيف على الدليل ،
الثانية :- الأصل في بركة الأعيان التوقيف على الدليل ،
الثالثة
:- الأصل في بركة الأزمان التوقيف على الدليل ،
الرابعة :- الأصل في بركة الأمكنة التوقيف على الدليل
الخامسة :- الأصل وقف البركة الذاتية المنتقلة على ذات
النبي صلى الله عليه وسلم ،
السادسة :- الأصل منع التبرك بأي شيء من أجزاء الأرض إلا بدليل ،
السابعة :- ما ثبت الدليل بأنه مبارك فلا يجوز أن يتعدى
في التبرك به على ما أثبته الدليل.
• أجمع سلف الأمة على أن الأولياء لهم المقام الرفيع عند الله
تعالى ، فلا خوف عليهم ولا يحزنون ، وأجمع السلف على أن أولياء الله تعالى هم المؤمنون المتقون ،
وتتفاوت درجات الولاية بحسب تفاوت الأولياء في تحقيق درجات أَلا إِنَّ}الإيمان والتقوى ، فأكثرهم ولاية أعظمهم في تحقيق
ذلك ، قال تعالى أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ،
الَّذِينَ وأجمع السلف على هذه
الآية إنما تثبت منزلة{آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ الأولياء عند الله
تعالى فقط ، وأجمعوا على أنها لا تدل على الطواف حول قبورهم أو التبرك
بترابها ، أو بشيء من آثارهم أو الذبح والنذر لهم أو دعائهم والاستغاثة بهم من دون الله تعالى في كشف
الملمات وتفريج المدلهمات ، ولا تدل على العكوف عند قبورهم ولا على البناء عليها ، أو الصلاة عندها ،
أو تعليق أوراق الشكوى على عتباتها أو في شباكها ، ولا غير ذلك مما يفعله عباد القبور عند قبورهم ،
الآية المذكورة
لا تدل على شيء من ذلك لا بدلالة المطابقة ولا التضمن ولا الالتزام ، ولا بشيء من الدلالات عند أهل
العلم في الدنيا ، ولكن أبى عباد القبور إلا الاستدلال بها على ذلك ، فما إن تناقش واحدا منهم في منع ذلك
، إلا ويستدل لك بهذه الآية ، سبحان الله ، كيف تطيب نفسه أن يجعل القرآن الذي من مقاصد إنزاله الأمر
بالتوحيد والنهي
عن الشرك ، كيف يجعله هذا الحمار دليلا مؤيدا للشرك والوثنية ، عجبا لهذه الفهوم المنكوسة ، فبالله
عليك ، هل فهم سلف الأمة هذه الأفعال المنكرة من هذه الآية ؟ بالطبع ، لا ، فضلا عن الأدلة المتواترة في
النهي عن هذه الأفعال ، ففهم عباد القبور هذه الأفعال القبيحة من هذه الآية الكريمة فهم باطل ، لأنه
فهم مخالف لفهم
السلف ، والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في مسائل العقيدة والعمل فإنه باطل ، والله يتولانا وإياك .
• اتفق السلف ، بل المسلمون جميعا على علو منزلة النبي
صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى وأنه أعظم الناس جاها عند الله تعالى ، فليس ثمة منزلة
كمنزلته ، ولا جاها كجاهه ولا شرفا كشرفه ، ولا قدرا كقدره ، عليه
الصلاة والسلام ، ولكن سلف الأمة رحمهم الله تعالى مع إقرارهم بكل ذلك ، إلا أنهم لم يفهموا من ذلك تجويز
التوسل بذاته إلى الله تعالى ، أو الحلف بجاهه ، أو التمسح بجدران الغرف التي على قبره ، أو دعاءه من
دون الله تعالى أو الاستغاثة به
من دون الله ، أو شد الرحال إلى زيارة قبره فقط ، أو تعليق كمال
الحج على زيارة مسجده
وقبره وكل حديث في زيارة قبر مخصوص على وجه الأرض فباطل ، ولم يفهم السلف من ذلك تجويز الدعاء مع استقبال
حجرته ، ولا كثرة التردد إلى قبره للسلام والصلاة عليه ، ولا
تكلف قطع المسافات لمجرد السلام والصلاة عليه ، وغير ذلك مما يعتقده بعض الناس من الاعتقادات الباطلة
فيه صلى الله عليه وسلم ، فمن فهم من علو منزلته وجاهه شيئا من ذلك ، فقد فهم فهما مخالفا لفهم سلف الأمة
، والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم
سلف الأمة فإنه باطل وبالجملة فهنا مسألتان لابد من التفريق بينهما
،
الأولى
:- أن التوسل لفظ مجمل يختلف باختلاف المتكلم به ، فإن
ورد لفظ الوسيلة في القرآن فإنه لا يراد به إلا إتباع الشرع ، بفعل المأمور
إيجابا واستحبابا ، وبترك المنهي
عنه تحريما أو كراهة ، أي متابعة النبي صلى الله عليه وسلم ، بطاعته
فيما أمر }واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وأن لا يعبد الله تعالى
إلا بما شرع كما قال تعالى أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ
أَيُّهُمْ يَا} وكما قال تعالى {أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ فالوسيلة هنا يراد بها ما{وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ ذكرته لك ،
وإن ورد لفظ الوسيلة في كلام النبي صلى الله عليه وسلم
فإنه يراد بها
تلك المنزلة في الجنة التي لا تنبغي إلا لواحد من عباد الله ، كما
قال صلى الله عليه
وسلم { ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون
أنا هو ، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة } رواه مسلم ،
وإن ورد لفظ الوسيلة في كلام الصحابة فإنما يراد به طلب
الدعاء لا غير ،
وعلى ذلك قول عمر " إنا كنا نتوسل بنبيك فتسقينا ، وإن نتوسل
إليك بعم نبينا ... الحديث ، وهو في البخاري
الثانية :- اعلم أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم عند أهل
السنة يراد به أحد أمور
:
- يراد به التوسل إلى الله تعالى بطاعته فيما أمر واجتناب
ما نهى عنه وزجر ، وأن لا يعبد الله تعالى إلا بما شرع ، فهذا هو أصل الدين وأساس الملة ، وقاعدة
الشرع التي بعث بها صلى الله عليه وسلم ، وهذا من الفروض في حياته وبعد مماته ويراد به التوسل إلى
الله تعالى بطلب الدعاء منه ، وهذا
جائز باتفاق أهل السنة ، ولكنه لا يجوز إلا في حياته فقط ، وأما بعد
مماته ، فلا يجوز
باتفاق أهل العلم رحمهم الله تعالى .
- ويراد به التوسل إلى الله تعالى بذاته ، وهذا من التوسل البدعي
باتفاق أهل السنة والجماعة ، ولا عبرة بمخالفة أهل البدع
- ويراد به التوسل إلى الله تعالى بجاهه ، فهذا من
التوسل البدعي كذلك عند عامة أهل السنة ، فبان لك بذلك ، أن التوسل إلى
الله تعالى بالنبي صلى الله عليه
وسلم له حالتان مشروعتان ، إحداهما مشروعة على وجه الإطلاق ،
والأخرى مشروعة في حياته فقط ، وحالتان ممنوعتان ومنعهما على وجه الإطلاق ، في حياته وبعد
مماته ، والمقصود
أن منزلة النبي صلى الله عليه وسلم لا تستلزم الوقوع في المخالفات التي لا دليل عليها ، لأن هذه
المخالفات بنيت على غير فهم السلف ، والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في مسائل
العقيدة والعمل فهو باطل ، والله يتولانا وإياك .
• اتفق المسلمون على وجوب الإيمان بالملائكة ، والجن ،
وأنهما صنفان من أصناف ما خلقه الله تعالى ، واتفقوا على أن الإيمان بهم يتضمن
الإيمان بوجودهم ، وأنهم أجسام وأن
لهم أسماء وصفات وأعمال ، واتفقوا على أن الجن مكلفون ، فالأدلة
الواردة في شأن الملائكة
فهم سلف الأمة منها أنهم أجسام وأن وجودهم حقيقي ، وكذلك الأدلة الواردة في شأن الجن وفهم سلف الأمة
هو الحق في هذا الباب ، وفي كل باب، وأما الفلاسفة ومن نحا نحوهم ، فإنهم لا يؤمنون بوجود الملائكة ولا
الجن ، بل يفهمون مما ورد فيهم أن
الملائكة عبارة عن قوى الخير فقط ولا أجسام لهم ، ولا حقيقة لهم إلا
ذلك ، وأن الجن لا
وجود لهم وليسوا هم بأجسام ، وإنما هم عبارة عن قوى الشر فقط ، وهذا فهم أخرق عاطل باطل ، لأنه مخالف
للأدلة المتواترات من الكتاب والسنة ومخالف لإجماع المسلمين ،
ومخالف لفهم سلف الأمة ، والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في مسائل العقيدة والعمل فإنه باطل ،
والله يتولانا وإياك للهدى
.
• أجمع أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى على أن
ما ورد به الدليل مما سيكون في اليوم الآخر أنه حق على حقيقته ، وأنه لا يجوز إخراج شيء منه عن
مدلوله الصحيح فسؤال القبر ونعيمه
وعذابه حق ثابت ، نعلم معناه ونكل العلم بكيفيته إلى الله تعالى ، والبعث
والجزاء والميزان
والصراط وتناثر صحف الأعمال والقنطرة والمقاصة ، كل ذلك حق على حقيقته نعلم معناه ونكل العلم
بكيفيته إلى الله تعالى ، واتفق السلف على كل ذلك ، واتفقوا على أن الجنة والنار موجودتان الآن ، لا تفنيان
أبدا ولا تبيدان ، وأن الله تعالى
يخلق للجنة أهلا ليسوا من أهل الدنيا فيدخلهم فيما بقي منها ، وأنه
يضع رجله على النار
فينزوي بعضها إلى بعض فتقول :- قط قط ، وكل ذلك على الحق ، نؤمن به ، ولا ندخل في هذا الباب متأولين
بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا ، ونؤمن أن معناه معلوم على حسب وضع اللسان العربي ، وأما حقيقته التي هو
عليها في الواقع فلا يعلم بها إلا
الله تعالى.
• انعقد إجماع سلف الأمة رحمهم الله تعالى على أن مرتكب الكبيرة في
الدنيا لا يكفر الكفر المخرج عن الملة ، ولا يكون معه كمال الإيمان ، بل هو مؤمن وفاسق ، فهو مؤمن بما
بقي معه من الإيمان ، وفاسق بما ارتكبه من الذنوب والعصيان ، وأهل السنة نظروا في تقرير قولهم هذا
إلى الأدلة كلها ، إلى الأدلة الواردة في المسألة كلها ، وأن كل ذنب عدا الشرك وصف عذابه بالخلود ، فإنه
في حق مرتكب
الكبيرة لا يراد به الخلود الأبدي المطلق في النار ، وإنما يراد به مطلق الخلود ، لأن أهل السنة
متفقون على أن مرتكب الكبيرة في الآخرة تحت المشيئة ، فإن شاء الله تعالى غفر له كبيرته وأدخله الجنة ابتداء
، وإن شاء عذبه في النار بقدر كبيرته ، ثم يخرجه منها فيدخله الجنة انتقالا ، فأهل السنة عندهم في مرتكب
الكبيرة مذهبان :
- أما في الدنيا ، فهو مؤمن ، ولكنه ناقص الإيمان ، وهذا
النقص يتفاوت بتفاوت عظم الجرم ،
- وأما في الآخرة ، فإنه إن مات مصرا على كبيرته ، فإنه
تحت المشيئة كما ذكرته لك ، ولم يخالف في ذلك أحد من أهل السنة والجماعة ولا
أحد من سلف الأمة
وأئمتها.
• اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن حقيقة الإيمان مركبة من
اعتقاد القلب وقول اللسان وعمل الجوارح ، واستدلوا على كل واحدة منها بأدلة كثيرة
، وقد ذكرت هذه
الأدلة في كتابي ( إتحاف أهل الألباب بمعرفة التوحيد والعقيدة في سؤال وجواب ) وأما أهل البدع فقد
بنوا مذهبهم في هذه المسألة على مخالفة فهم سلف الأمة ، فمنهم من قال :
- الإيمان اعتقاد فقط ،
- ومنهم من قال :- بل الإيمان اعتقاد وعمل فقط ،
وليس العمل من الإيمان
- ومنهم من قال :- بل الإيمان قول فقط ، ولا شأن للعمل
ولا للاعتقاد فيه ،
- ومنهم من قال :- بل الإيمان مطلق المعرفة ، وكلها أقوال
باطلة ، لأنها بنيت على غير فهم الأمة ، والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في مسائل العقيدة
والعمل فهو باطل .
• أجمع سلف الأمة وأئمتها رحمهم الله تعالى على أن أفعال
العباد مخلوقة لله تعالى ، وأجمعوا على أنها مع ذلك من كسب العبد وتحصيله ، ففعل العبد ينسب إلى الله
تعالى خلقا وتقديرا وإيجادا ، وينسب للعبد تحصيلا واكتسابا ، وأجمعوا على أن العبد له قدرة واختيار,
وأجمعوا على بطلان
قول من قال :- إنه مجبور على فعله ، ولا حول له ولا قوة في اختيار شيء ، بل مدفوع إلى فعله دفعا ، فهو
بمنزلة المغسول بين يدي غاسله ، والميت بين يدي مقلبه ، لا يملك شيئا من القدرة ولا شيئا من الاختيار ، هذا
القول الخبيث قد أجمع سلف الأمة
على بطلانه ، وأجمعوا على بطلان قول من قال :- إن العبد هو الذي
يخلق فعله بذاته ، وأن له القدرة الكاملة والاختيار الكامل ، ولا تعلق لغيره في اختيار فعله
، وهذا باطل ،
كما ذكرته باتفاق السلف ، بل السلف متفقون على أن العبد له قدرة واختيار ومشيئة ، ولكن كل شيء بقضاء
الله وقدره ، ولا يخرج شيء عن أن يكون مقدورا لله تعالى ، والله
خالق الأشياء بذواتها وصفاتها وجميع متعلقاتها ، وكل شيء معلوم بالعلم الشامل الكامل ومكتوب في اللوح
المحفوظ ، ولا يفهم من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلا ما قرره سلف الأمة في هذا
الباب ، وأما القدرية والجبرية فإنهم ضلوا في هذا الباب ضلالا بعيدا ،
- فالقدرية أخذوا بالأدلة التي تنسب الفعل إلى
العبد وتضيفه إليه فقط ، فقالوا إنه يخلق فعله وهو القادر عليه القدرة الكاملة ،
- والجبرية أخذوا بالأدلة التي تنسب فعل العبد إلى الله
فقالوا :- لا قدرة للعبد ولا اختيار ، وأما أهل السنة ، فإنهم نظروا إلى الأدلة جميعا
وفهموا من إضافة
الفعل إلى العبد أنها إضافة تحصيل واكتساب ، وفهموا من إضافة فعل العبد إلى الله تعالى أنها من باب إضافة
الخلق والتقدير والإيجاد ، وعليه :- فالقدرية والجبرية في هذا الباب فهموا من النصوص فهما مخالفا
لفهم سلف الأمة ، والمتقرر أن كل فهم بني على مخالفة فهم سلف الأمة في مسائل العقيدة والعمل فإنه فهم
باطل ، والمتقرر
أن ما بني على الباطل فهو باطل.
• أجمع سلف الأمة وأئمتها على أن الله تعالى ( معنا) بمعيتين ،
معية عامة ومقتضاها العلم والإحاطة والهيمنة ، ومعية خاصة ، ومقتضاها النصر والتأييد والتوفيق والحفظ
وكلها حق على حقيقتها ، وسلف الأمة
لا يفهمون من معية الله تعالى لنا أنه مختلط بالخلق أو حال فيهم ،
أو أنه داخل هذا العالم
، أو أنه هو عين وجود هذا العالم ، كل ذلك من الأفهام المعوجة عن سنن الكتاب والسنة ، وهي مخالفة لفهم سلف
الأمة ، والمتقرر أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في مسائل العقيدة والعمل فهو باطل, واتفق سلف الأمة
رحمهم الله تعالى على أن معيته لخلقه لا تنافي علوه على عرشه ، لأنه جل وعلا ليس كمثله شيء في جميع نعوته
، فهو العلي في
قربه ودنوه وهو القريب في علوه وفوقيته جل وعلا ، فالأدلة جاءت بهذا وبهذا ، والأدلة لا تأتي بمحالات العقل وإن كانت تأتي بمحارات العقول ،
أي أنها لا تأتي بما
يحيله العقل ، ولكنها تأتي بما يحار فيه العقل لأنه أضعف وأقصر وأنقص من الإحاطة بما هو من باب الغيب.