القَبول.
أ - التدليس:
سياق الحديث بسند؛ يوهم أنه أعلى مما كان عليه في الواقع.
ب - وينقسم إلى قسمين:
تدليس الإسناد، وتدليس الشيوخ.
فتدليس
الإسناد : أن يروي عمن
لقيه ما لم يسمعه من قوله أو يره من فعله، بلفظ يوهم أنه سمعه أو
رآه مثل: قال، أو فعل، أو عن
فلان، أو أن فلاناً قال، أو فعل، ونحو ذلك.
وتدليس الشيوخ : أن يسمّي الراوي شيخه، أو يصفه بغير ما اشتهر به
فيوهم أنه غيره؛ إما لكونه أصغر منه، فلا يحب أن يظهر روايته عمن دونه، وإما ليظن
الناس كثرة شيوخه، وإما لغيرهما من المقاصد.
ج -
والمدلسون كثيرون، وفيهم
الضعفاء والثقات؛ كالحسن البصري، وحميد الطويل، وسليمان بن مهران
الأعمش، ومحمد بن إسحاق
والوليد بن مسلم، وقد رتبهم الحافظ إلى خمس مراتب:
الأولى - من لم يوصف به إلا نادراً؛ كيحيى بن سعيد.
الثانية - من احتمل الأئمة تدليسه، وأخرجوا له في
"الصحيح"؛ لإمامته، وقلة تدليسه في جنب ما روى؛ كسفيان الثوري، أو
كان لا يدلس إلا عن ثقة؛ كسفيان بن عيينة.
الثالثة - من أكثر من التدليس غير متقيد بالثقات؛ كأبي الزبير
المكي.
الرابعة - من كان أكثر تدليسه عن الضعفاء والمجاهيل؛ كبقية بن الوليد.
الخامسة - من
انضم إليه ضعف بأمر آخر؛ كعبد الله بن لهيعة.
د - وحديث المدلس غير مقبول إلا أن يكون ثقة، ويصرح بأخذه مباشرة عمن روى عنه،
فيقول: سمعت فلاناً يقول، أو رأيته يفعل، أو حدثني ونحوه، لكن ما جاء في "صحيحي
البخاري ومسلم" بصيغة التدليس عن ثقات المدلسين فمقبول؛ لتلقي الأمة لما جاء فيهما
بالقَبول من غير تفصيل.
المضطرب:
ما اختلف الرواة في سنده، أو متنه، وتعذر الجمع في ذلك والترجيح.
فإن أمكن الجمع وجب، وانتفى الاضطراب.
وإن أمكن
الترجيح عمل بالراجح، وانتفى الاضطراب أيضاً.- والمضطرب:ضعيف لا يحتج به، لأن اضطرابه يدل على عدم
ضبط رواته، إلا إذا كان الاضطراب لا يرجع إلى أصل الحديث، فإنه لا يضر.
مثاله :
اختلاف الروايات في حديث
فضالة بن عبيد رضي الله عنه أنه اشترى قلادة يوم خيبر باثني عشر
ديناراً فيها ذهب وخرز، قال:
ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً، فذكرت ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم فقال:
"لا تباع حتى تفصل". ففي بعض الروايات أن فضالة اشتراها، وفي بعضها أن غيره سأله عن
شرائها، وفي بعض الروايات أنه ذهب وخرز، وفي بعضها ذهب وجوهر، وفي بعضها خرز معلقة بذهب، وفي بعضها
باثني عشر ديناراً، وفي بعضها بتسعة دنانير، وفي بعضها سبعة.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا لا يوجب ضعفاً (يعني الحديث) بل المقصود
من الاستدلال
محفوظ لا اختلاف فيه؛ وهو النهي عن بيع ما لم يفصل، وأما جنسها أو مقدار ثمنها فلا يتعلق به في
هذه الحال ما يوجب الاضطراب.
اهـ.
وكذلك لا يوجب الاضطراب: ما يقع من الاختلاف في اسم الراوي أو
كنيته، أو نحو ذلك، مع الاتفاق على عينه، كما يوجد كثيراً في الأحاديث الصحيحة.
الإدراج في المتن:
أن يدخل أحد الرواة في الحديث كلاماً من عنده بدون بيان، إما: تفسيراً لكلمة، أو
استنباطاً لحكم، أو بياناً
لحكمة.
ويكون في أول
الحديث ووسطه وآخره.
ج - متى
يحكم به:
ولا يحكم
بالإدراج إلا بدليل إما
من كلام الراوي، أو من كلام أحد الأئمة المعتبرين، أو من الكلام
المدرج بحيث يستحيل أن يقوله
النبي صلّى الله عليه وسلّم.
الزيادة في الحديث:
أن يضيف أحد الرواة إلى الحديث ما ليس منه.
ب - وتنقسم إلى قسمين:
1- أن تكون من
قبيل الإدراج، وهي التي زادها
أحد الرواة من عنده لا على أنها من الحديث، وسبق بيان متى يحكم بها.
2- أن يأتي بها بعض الرواة على أنها من الحديث نفسه.
فإن كانت من
غير ثقة لم تقبل؛ لأنه لا
يقبل ما انفرد به، فما زاده على غيره أولى بالرد، وإن كانت من ثقة، فإن كانت منافية لرواية
غيره ممن هو أكثر منه، أو أوثق لم تقبل لأنها حينئذٍ شاذة.
وإن كانت غير منافية لرواية غيره قبلت؛ لأن فيها زيادة علم.
اختصار الحديث:
أن يحذف راويه، أو ناقله شيئاً منه.
ولا يجوز إلا بشروط خمسة:
الأول - أن لا يخل بمعنى الحديث كالاستثناء، والغاية، والحال،
والشرط، ونحوها.
مثل قوله صلّى الله عليه وسلّم: "لا تبيعوا الذهب بالذهب
إلا مثلاً بمثل".
"لا تبيعوا
الثمر حتى يبدو صلاحه".
فلا يجوز حذف
قوله: إلا مثلاً بمثل وحتى يبدو صلاحه.
الثاني - أن لا يحذف ما جاء الحديث من أجله.
مثل: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلّى الله عليه
وسلّم فقال: إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا!
أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "هو الطهور ماؤه، الحل
ميتته".
فلا يجوز حذف قوله: (هو الطهور ماؤه)؛ لأن الحديث جاء من أجله، فهو المقصود
بالحديث.
الثالث - أن لا يكون وارداً لبيان صفة عبادة قولية أو فعلية.
مثل حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم
قال: "إذا جلس أحدكم في الصلاة فليقل:
التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة
الله وبركاته، السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله".
فلا يجوز
حذف شيء من هذا الحديث؛ لإخلاله بالصفة المشروعة إلا أن يشير إلى
أن فيه حذفاً.
الرابع - أن يكون من عالم بمدلولات الألفاظ، وما يخل حذفه بالمعنى
وما لا يخل؛ لئلا يحذف ما يخل بالمعنى من غير شعور بذلك.
الخامس - أن لا يكون الراوي محلاً للتهمة، بحيث يظن به سوء الحفظ
إن اختصره، أو
الزيادة فيه إن أتمه؛ لأن اختصاره في هذه الحال يستلزم التردد في قَبوله، فيضعف به
الحديث.
ومحل هذا الشرط في غير الكتب المدونة المعروفة؛ لأنه يمكن الرجوع
إليها فينتفي
التردد.
فإذا تمت
هذه الشروط جاز اختصار الحديث، ولا سيما تقطيعه للاحتجاج بكل قطعة
منه في موضعها، فقد فعله
كثير من المحدثين والفقهاء.
والأَولى أن يشير عند اختصار الحديث إلى أن فيه اختصاراً فيقول:
إلى آخر الحديث، أو:
ذكر الحديث ونحوه.
رواية الحديث بالمعنى:
نقله بلفظ غير لفظ المروي عنه.
ب - ولا تجوز إلا بشروط ثلاثة:
1- أن تكون من عارف بمعناه من حيث اللغة، ومن حيث مراد المروي عنه.
2- أن تدعو الضرورة إليها، بأن يكون الراوي ناسياً
للفظ الحديث
حافظاً لمعناه. فإن كان ذاكراً للفظه لم يجز تغييره، إلا أن تدعو الحاجة إلى إفهام المخاطب بلغته.
3- أن لا يكون اللفظ متعبداً به كألفاظ الأذكار ونحوها.
وإذا رواه بالمعنى فليأت بما يشعر بذلك فيقول عقب الحديث أو كما
قال، أو نحوه.
الموضوع:
الحديث المكذوب على النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ب
- حكمه:
وهو المردود، ولا يجوز ذكره إلا مقروناً ببيان وضعه؛ للتحذير منه؛
لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم:
"من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين". رواه مسلم.
ويعرف الوضع بأمور منها:
1- إقرار الواضع به.
2- مخالفة الحديث للعقل، مثل: أن يتضمن جمعاً بين النقيضين، أو
إثبات وجود مستحيل، أو نفي وجود واجب ونحوه.
3- مخالفته للمعلوم بالضرورة من الدين، مثل: أن يتضمن إسقاط ركن من
أركان الإسلام، أو تحليل الربا ونحوه، أو تحديد وقت قيام الساعة، أو جواز إرسال
نبي بعد محمد صلّى الله عليه
وسلّم، ونحو ذلك.
والوضاعون كثيرون ومن أكابرهم المشهورين:
إسحاق بن نجيح الملطي، ومأمون بن أحمد الهروي ومحمد بن السائب
الكلبي، والمغيرة بن سعيد الكوفي، ومقاتل بن سليمان، والواقدي بن أبي يحيى.
وهم أصناف فمنهم:
أولاً - الزنادقة الذين يريدون إفساد عقيدة المسلمين، وتشويه الإسلام، وتغيير
أحكامه مثل: محمد بن سعيد المصلوب الذي قتله أبو جعفر المنصور، وضع حديثاً عن أنس مرفوعاً: "أنا
خاتم النبيين لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله".
ثانياً - المتزلفون إلى الخلفاء والأمراء: مثل غياث بن إبراهيم دخل
على المهدي، وهو يلعب بالحمام فقيل له: حدث أمير المؤمنين! فَسَاقَ سنداً وضع به
حديثاً على النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "لا سبق إلا في خفٍّ أو نصل
أو حافر أو جناح" فقال المهدي: أنا حملته على ذلك! ثم ترك الحمام، وأمر بذبحها.
ثالثاً - المتزلفون إلى العامة بذكر الغرائب ترغيباً، أو ترهيباً، أو التماساً
لمال، أو جاه مثل: القصاص الذين يتكلمون في المساجد والمجتمعات بما يثير الدهشة من غرائب.
رابعاً -
المتحمسون للدين يضعون
أحاديث في فضائل الإسلام، وما يتصل فيه، وفي الزهد في الدنيا، ونحو
ذلك. لقصد إقبال الناس على
الدين وزهدهم في الدنيا مثل: أبي عصمة نوح بن أبي مريم قاضي مرو، وضع حديثاً في فضائل سور
القرآن سورة سورة وقال: إني رأيت الناس أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي
حنيفة ومغازي ابن إسحاق، يعني فوضع ذلك.
خامساً - المتعصبون لمذهب، أو طريقة، أو بلد، أو متبوع، أو قبيلة:
يضعون أحاديث في فضائل ما تعصبوا له، والثناء عليه مثل: ميسرة بن عبد ربه الذي أقر
أنه وضع على النبي صلّى الله عليه وسلّم سبعين حديثاً في فضائل علي بن أبي طالب
رضي الله عنه.
الجرح
والتعديل:
أ
- الجرح:
هو أن يذكر الراوي بما يوجب رد روايته من إثبات صفة رد، أو نفي صفة
قبول مثل أن يقال:
هو كذاب، أو فاسق، أو ضعيف، أو ليس بثقة، أو لا يعتبر، أو لا يكتب حديثه.
ب - وينقسم الجرح إلى قسمين:
1- المطلق: أن يذكر الراوي بالجرح بدون تقييد، فيكون قادحاً
فيه بكل حال.
2- والمقيد: أن يذكر الراوي بالجرح بالنسبة لشيء معين من شيخ، أو
طائفة، أو نحو ذلك؛
فيكون قادحاً فيه بالنسبة إلى
ذلك الشيء المعينّ دون غيره.
لكن إذا كان المقصود بتقييد الجرح دفع دعوى توثيقه في ذلك المقيد، لم يمنع أن
يكون ضعيفاً في غيره أيضاً.
ج - وللجرح مراتب:
* أعلاها ما
دل على بلوغ الغاية فيه مثل:
أكذب الناس، أو ركن الكذب.
* ثم ما دل على المبالغة مثل: كذاب، ووضاع، ودجال.
* وأسهلها ليّن، أو سيِّئ الحفظ، أو فيه مقال.
وبَيْن ذلك مراتب معلومة.
د - ويشترط لقَبول الجرح شروط خمسة:
1- أن يكون من عدل؛ فلا يقبل من فاسق.
2- أن يكون من متيقظ؛ فلا يقبل من مغفل.
3- أن يكون من عارف بأسبابه؛ فلا يقبل ممن لا يعرف القوادح.
4- أن يبيِّن سبب الجرح؛ فلا يقبل الجرح المبهم، مثل أن يقتصر على
قوله: ضعيف، أو يرد حديثه، حتى يبيّن سبب ذلك؛ لأنه قد يجرحه بسبب لا يقتضي
الجرح، هذا هو المشهور، واختار ابن حجر
- رحمه الله - قَبول الجرح المبهم إلا فيمن علمت عدالته، فلا يقبل
جرحه إلا ببيان السبب. وهذا
هو القول الراجح لا سيما إذا كان الجارح من أئمة هذا الشأن.
5- أن لا يكون واقعاً على من تواترت عدالته، واشتهرت إمامته.
كنافع، وشعبة، ومالك، والبخاري، فلا يقبل الجرح في هؤلاء وأمثالهم.
التعديل:
أن يذكر الراوي
بما يوجب قَبول روايته من إثبات صفة قَبول أو نفي صفة رد، مثل أن يقال: هو ثقة، أو ثبت، أو لا
بأس به، أو لا يرد حديثه.
ب - وينقسم التعديل إلى قسمين:
1- المطلق: أن يذكر الراوي بالتعديل بدون تقييد؛ فيكون توثيقاً له
بكل حال.
2- المقيد: أن يذكر الراوي بالتعديل بالنسبة لشيء معين من شيخ، أو
طائفة، أو نحو ذلك؛ فيكون توثيقاً له بالنسبة إلى ذلك الشيء المعيّن دون غيره.
مثل أن يقال: هو ثقة في حديث الزهري، أو في الحديث عن الحجازيين، فلا يكون
ثقة في حديثه من غير من وثق فيهم، لكن إذا كان المقصود دفع دعوى ضعفه فيهم، فلا
يمنع حينئذٍ أن يكون ثقة في غيرهم أيضاً.
ج - وللتعديل
مراتب:
* أعلاها: ما دل على بلوغ الغاية فيه مثل: أوثق الناس، أو إليه
المنتهى في التثبت.
* ثم ما تأكد بصفة، أو صفتين مثل: ثقة ثقة أو ثقة ثبت، أو نحو ذلك.
* وأدناها: ما أشعر بالقرب من أسهل الجرح مثل: صالح، أو مقارب، أو
يروى حديثه، أو نحو ذلك، وبين هذا مراتب معلومة.
د - ويشترط
لقبول التعديل شروط أربعة:
1- أن يكون من عدل؛ فلا يقبل من فاسق.
2- أن يكون من متيقظ؛ فلا يقبل من مغفل يغتر بظاهر الحال.
3- أن يكون من عارف بأسبابه؛ فلا يقبل ممن لا يعرف صفات القَبول
والرد.
4- أن لا يكون واقعاً على من اشتهر بما يوجب رد
روايته من كذب، أو فسق
ظاهر، أو غيرهما.
تعارض الجرح والتعديل:
أن يذكر الراوي بما يوجب رد روايته، وبما يوجب قبولها، مثل أن يقول
بعض العلماء فيه
إنه ثقة، ويقول بعض إنه ضعيف.
ب - وللتعارض أحوال أربع:
الحال الأولى:
أن يكونا مبهمين؛ أي: غير مبين فيهما سبب الجرح أو التعديل، فإن قلنا بعدم
قَبول الجرح المبهم أخذ بالتعديل، لأنه لا معارض له في الواقع، وإن قلنا بقَبوله - وهو الراجح - حصل
التعارض، فيؤخذ بالأرجح منهما؛ إما في عدالة قائله، أو في معرفته بحال الشخص، أو
بأسباب الجرح والتعديل، أو في كثرة العدد.
الحال
الثانية:
أن يكونا
مفسَّرين؛ أي مبيناً فيهما سبب الجرح والتعديل، فيؤخذ بالجرح؛ لأن
مع قائله زيادة علم، إلا أن
يقول صاحب التعديل: أنا أعلم أن السبب الذي جرحه به قد زال؛ فيؤخذ حينئذٍ بالتعديل؛ لأن
مع قائله زيادة علم.
الحال الثالثة:
أن يكون التعديل مبهماً؛ والجرح مفسَّراً فيؤخذ بالجرح لأن مع
قائله زيادة علم.
الحال
الرابعة:
أن يكون الجرح مبهماً، والتعديل مفسَّراً، فيؤخذ بالتعديل لرجحانه.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتطيب الأوقات، وصلى الله
وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
كتبه أفقر
خلق الله إلى عفوه
أبو جهاد سمير الجزائري
مدينة
بلعباس
في :1 ربيع الثاني
1430
27 مارس
2009م
أ - التدليس:
سياق الحديث بسند؛ يوهم أنه أعلى مما كان عليه في الواقع.
ب - وينقسم إلى قسمين:
تدليس الإسناد، وتدليس الشيوخ.
فتدليس
الإسناد : أن يروي عمن
لقيه ما لم يسمعه من قوله أو يره من فعله، بلفظ يوهم أنه سمعه أو
رآه مثل: قال، أو فعل، أو عن
فلان، أو أن فلاناً قال، أو فعل، ونحو ذلك.
وتدليس الشيوخ : أن يسمّي الراوي شيخه، أو يصفه بغير ما اشتهر به
فيوهم أنه غيره؛ إما لكونه أصغر منه، فلا يحب أن يظهر روايته عمن دونه، وإما ليظن
الناس كثرة شيوخه، وإما لغيرهما من المقاصد.
ج -
والمدلسون كثيرون، وفيهم
الضعفاء والثقات؛ كالحسن البصري، وحميد الطويل، وسليمان بن مهران
الأعمش، ومحمد بن إسحاق
والوليد بن مسلم، وقد رتبهم الحافظ إلى خمس مراتب:
الأولى - من لم يوصف به إلا نادراً؛ كيحيى بن سعيد.
الثانية - من احتمل الأئمة تدليسه، وأخرجوا له في
"الصحيح"؛ لإمامته، وقلة تدليسه في جنب ما روى؛ كسفيان الثوري، أو
كان لا يدلس إلا عن ثقة؛ كسفيان بن عيينة.
الثالثة - من أكثر من التدليس غير متقيد بالثقات؛ كأبي الزبير
المكي.
الرابعة - من كان أكثر تدليسه عن الضعفاء والمجاهيل؛ كبقية بن الوليد.
الخامسة - من
انضم إليه ضعف بأمر آخر؛ كعبد الله بن لهيعة.
د - وحديث المدلس غير مقبول إلا أن يكون ثقة، ويصرح بأخذه مباشرة عمن روى عنه،
فيقول: سمعت فلاناً يقول، أو رأيته يفعل، أو حدثني ونحوه، لكن ما جاء في "صحيحي
البخاري ومسلم" بصيغة التدليس عن ثقات المدلسين فمقبول؛ لتلقي الأمة لما جاء فيهما
بالقَبول من غير تفصيل.
المضطرب:
ما اختلف الرواة في سنده، أو متنه، وتعذر الجمع في ذلك والترجيح.
فإن أمكن الجمع وجب، وانتفى الاضطراب.
وإن أمكن
الترجيح عمل بالراجح، وانتفى الاضطراب أيضاً.- والمضطرب:ضعيف لا يحتج به، لأن اضطرابه يدل على عدم
ضبط رواته، إلا إذا كان الاضطراب لا يرجع إلى أصل الحديث، فإنه لا يضر.
مثاله :
اختلاف الروايات في حديث
فضالة بن عبيد رضي الله عنه أنه اشترى قلادة يوم خيبر باثني عشر
ديناراً فيها ذهب وخرز، قال:
ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً، فذكرت ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم فقال:
"لا تباع حتى تفصل". ففي بعض الروايات أن فضالة اشتراها، وفي بعضها أن غيره سأله عن
شرائها، وفي بعض الروايات أنه ذهب وخرز، وفي بعضها ذهب وجوهر، وفي بعضها خرز معلقة بذهب، وفي بعضها
باثني عشر ديناراً، وفي بعضها بتسعة دنانير، وفي بعضها سبعة.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا لا يوجب ضعفاً (يعني الحديث) بل المقصود
من الاستدلال
محفوظ لا اختلاف فيه؛ وهو النهي عن بيع ما لم يفصل، وأما جنسها أو مقدار ثمنها فلا يتعلق به في
هذه الحال ما يوجب الاضطراب.
اهـ.
وكذلك لا يوجب الاضطراب: ما يقع من الاختلاف في اسم الراوي أو
كنيته، أو نحو ذلك، مع الاتفاق على عينه، كما يوجد كثيراً في الأحاديث الصحيحة.
الإدراج في المتن:
أن يدخل أحد الرواة في الحديث كلاماً من عنده بدون بيان، إما: تفسيراً لكلمة، أو
استنباطاً لحكم، أو بياناً
لحكمة.
ويكون في أول
الحديث ووسطه وآخره.
ج - متى
يحكم به:
ولا يحكم
بالإدراج إلا بدليل إما
من كلام الراوي، أو من كلام أحد الأئمة المعتبرين، أو من الكلام
المدرج بحيث يستحيل أن يقوله
النبي صلّى الله عليه وسلّم.
الزيادة في الحديث:
أن يضيف أحد الرواة إلى الحديث ما ليس منه.
ب - وتنقسم إلى قسمين:
1- أن تكون من
قبيل الإدراج، وهي التي زادها
أحد الرواة من عنده لا على أنها من الحديث، وسبق بيان متى يحكم بها.
2- أن يأتي بها بعض الرواة على أنها من الحديث نفسه.
فإن كانت من
غير ثقة لم تقبل؛ لأنه لا
يقبل ما انفرد به، فما زاده على غيره أولى بالرد، وإن كانت من ثقة، فإن كانت منافية لرواية
غيره ممن هو أكثر منه، أو أوثق لم تقبل لأنها حينئذٍ شاذة.
وإن كانت غير منافية لرواية غيره قبلت؛ لأن فيها زيادة علم.
اختصار الحديث:
أن يحذف راويه، أو ناقله شيئاً منه.
ولا يجوز إلا بشروط خمسة:
الأول - أن لا يخل بمعنى الحديث كالاستثناء، والغاية، والحال،
والشرط، ونحوها.
مثل قوله صلّى الله عليه وسلّم: "لا تبيعوا الذهب بالذهب
إلا مثلاً بمثل".
"لا تبيعوا
الثمر حتى يبدو صلاحه".
فلا يجوز حذف
قوله: إلا مثلاً بمثل وحتى يبدو صلاحه.
الثاني - أن لا يحذف ما جاء الحديث من أجله.
مثل: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلّى الله عليه
وسلّم فقال: إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا!
أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "هو الطهور ماؤه، الحل
ميتته".
فلا يجوز حذف قوله: (هو الطهور ماؤه)؛ لأن الحديث جاء من أجله، فهو المقصود
بالحديث.
الثالث - أن لا يكون وارداً لبيان صفة عبادة قولية أو فعلية.
مثل حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم
قال: "إذا جلس أحدكم في الصلاة فليقل:
التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة
الله وبركاته، السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله".
فلا يجوز
حذف شيء من هذا الحديث؛ لإخلاله بالصفة المشروعة إلا أن يشير إلى
أن فيه حذفاً.
الرابع - أن يكون من عالم بمدلولات الألفاظ، وما يخل حذفه بالمعنى
وما لا يخل؛ لئلا يحذف ما يخل بالمعنى من غير شعور بذلك.
الخامس - أن لا يكون الراوي محلاً للتهمة، بحيث يظن به سوء الحفظ
إن اختصره، أو
الزيادة فيه إن أتمه؛ لأن اختصاره في هذه الحال يستلزم التردد في قَبوله، فيضعف به
الحديث.
ومحل هذا الشرط في غير الكتب المدونة المعروفة؛ لأنه يمكن الرجوع
إليها فينتفي
التردد.
فإذا تمت
هذه الشروط جاز اختصار الحديث، ولا سيما تقطيعه للاحتجاج بكل قطعة
منه في موضعها، فقد فعله
كثير من المحدثين والفقهاء.
والأَولى أن يشير عند اختصار الحديث إلى أن فيه اختصاراً فيقول:
إلى آخر الحديث، أو:
ذكر الحديث ونحوه.
رواية الحديث بالمعنى:
نقله بلفظ غير لفظ المروي عنه.
ب - ولا تجوز إلا بشروط ثلاثة:
1- أن تكون من عارف بمعناه من حيث اللغة، ومن حيث مراد المروي عنه.
2- أن تدعو الضرورة إليها، بأن يكون الراوي ناسياً
للفظ الحديث
حافظاً لمعناه. فإن كان ذاكراً للفظه لم يجز تغييره، إلا أن تدعو الحاجة إلى إفهام المخاطب بلغته.
3- أن لا يكون اللفظ متعبداً به كألفاظ الأذكار ونحوها.
وإذا رواه بالمعنى فليأت بما يشعر بذلك فيقول عقب الحديث أو كما
قال، أو نحوه.
الموضوع:
الحديث المكذوب على النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ب
- حكمه:
وهو المردود، ولا يجوز ذكره إلا مقروناً ببيان وضعه؛ للتحذير منه؛
لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم:
"من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين". رواه مسلم.
ويعرف الوضع بأمور منها:
1- إقرار الواضع به.
2- مخالفة الحديث للعقل، مثل: أن يتضمن جمعاً بين النقيضين، أو
إثبات وجود مستحيل، أو نفي وجود واجب ونحوه.
3- مخالفته للمعلوم بالضرورة من الدين، مثل: أن يتضمن إسقاط ركن من
أركان الإسلام، أو تحليل الربا ونحوه، أو تحديد وقت قيام الساعة، أو جواز إرسال
نبي بعد محمد صلّى الله عليه
وسلّم، ونحو ذلك.
والوضاعون كثيرون ومن أكابرهم المشهورين:
إسحاق بن نجيح الملطي، ومأمون بن أحمد الهروي ومحمد بن السائب
الكلبي، والمغيرة بن سعيد الكوفي، ومقاتل بن سليمان، والواقدي بن أبي يحيى.
وهم أصناف فمنهم:
أولاً - الزنادقة الذين يريدون إفساد عقيدة المسلمين، وتشويه الإسلام، وتغيير
أحكامه مثل: محمد بن سعيد المصلوب الذي قتله أبو جعفر المنصور، وضع حديثاً عن أنس مرفوعاً: "أنا
خاتم النبيين لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله".
ثانياً - المتزلفون إلى الخلفاء والأمراء: مثل غياث بن إبراهيم دخل
على المهدي، وهو يلعب بالحمام فقيل له: حدث أمير المؤمنين! فَسَاقَ سنداً وضع به
حديثاً على النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "لا سبق إلا في خفٍّ أو نصل
أو حافر أو جناح" فقال المهدي: أنا حملته على ذلك! ثم ترك الحمام، وأمر بذبحها.
ثالثاً - المتزلفون إلى العامة بذكر الغرائب ترغيباً، أو ترهيباً، أو التماساً
لمال، أو جاه مثل: القصاص الذين يتكلمون في المساجد والمجتمعات بما يثير الدهشة من غرائب.
رابعاً -
المتحمسون للدين يضعون
أحاديث في فضائل الإسلام، وما يتصل فيه، وفي الزهد في الدنيا، ونحو
ذلك. لقصد إقبال الناس على
الدين وزهدهم في الدنيا مثل: أبي عصمة نوح بن أبي مريم قاضي مرو، وضع حديثاً في فضائل سور
القرآن سورة سورة وقال: إني رأيت الناس أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي
حنيفة ومغازي ابن إسحاق، يعني فوضع ذلك.
خامساً - المتعصبون لمذهب، أو طريقة، أو بلد، أو متبوع، أو قبيلة:
يضعون أحاديث في فضائل ما تعصبوا له، والثناء عليه مثل: ميسرة بن عبد ربه الذي أقر
أنه وضع على النبي صلّى الله عليه وسلّم سبعين حديثاً في فضائل علي بن أبي طالب
رضي الله عنه.
الجرح
والتعديل:
أ
- الجرح:
هو أن يذكر الراوي بما يوجب رد روايته من إثبات صفة رد، أو نفي صفة
قبول مثل أن يقال:
هو كذاب، أو فاسق، أو ضعيف، أو ليس بثقة، أو لا يعتبر، أو لا يكتب حديثه.
ب - وينقسم الجرح إلى قسمين:
1- المطلق: أن يذكر الراوي بالجرح بدون تقييد، فيكون قادحاً
فيه بكل حال.
2- والمقيد: أن يذكر الراوي بالجرح بالنسبة لشيء معين من شيخ، أو
طائفة، أو نحو ذلك؛
فيكون قادحاً فيه بالنسبة إلى
ذلك الشيء المعينّ دون غيره.
لكن إذا كان المقصود بتقييد الجرح دفع دعوى توثيقه في ذلك المقيد، لم يمنع أن
يكون ضعيفاً في غيره أيضاً.
ج - وللجرح مراتب:
* أعلاها ما
دل على بلوغ الغاية فيه مثل:
أكذب الناس، أو ركن الكذب.
* ثم ما دل على المبالغة مثل: كذاب، ووضاع، ودجال.
* وأسهلها ليّن، أو سيِّئ الحفظ، أو فيه مقال.
وبَيْن ذلك مراتب معلومة.
د - ويشترط لقَبول الجرح شروط خمسة:
1- أن يكون من عدل؛ فلا يقبل من فاسق.
2- أن يكون من متيقظ؛ فلا يقبل من مغفل.
3- أن يكون من عارف بأسبابه؛ فلا يقبل ممن لا يعرف القوادح.
4- أن يبيِّن سبب الجرح؛ فلا يقبل الجرح المبهم، مثل أن يقتصر على
قوله: ضعيف، أو يرد حديثه، حتى يبيّن سبب ذلك؛ لأنه قد يجرحه بسبب لا يقتضي
الجرح، هذا هو المشهور، واختار ابن حجر
- رحمه الله - قَبول الجرح المبهم إلا فيمن علمت عدالته، فلا يقبل
جرحه إلا ببيان السبب. وهذا
هو القول الراجح لا سيما إذا كان الجارح من أئمة هذا الشأن.
5- أن لا يكون واقعاً على من تواترت عدالته، واشتهرت إمامته.
كنافع، وشعبة، ومالك، والبخاري، فلا يقبل الجرح في هؤلاء وأمثالهم.
التعديل:
أن يذكر الراوي
بما يوجب قَبول روايته من إثبات صفة قَبول أو نفي صفة رد، مثل أن يقال: هو ثقة، أو ثبت، أو لا
بأس به، أو لا يرد حديثه.
ب - وينقسم التعديل إلى قسمين:
1- المطلق: أن يذكر الراوي بالتعديل بدون تقييد؛ فيكون توثيقاً له
بكل حال.
2- المقيد: أن يذكر الراوي بالتعديل بالنسبة لشيء معين من شيخ، أو
طائفة، أو نحو ذلك؛ فيكون توثيقاً له بالنسبة إلى ذلك الشيء المعيّن دون غيره.
مثل أن يقال: هو ثقة في حديث الزهري، أو في الحديث عن الحجازيين، فلا يكون
ثقة في حديثه من غير من وثق فيهم، لكن إذا كان المقصود دفع دعوى ضعفه فيهم، فلا
يمنع حينئذٍ أن يكون ثقة في غيرهم أيضاً.
ج - وللتعديل
مراتب:
* أعلاها: ما دل على بلوغ الغاية فيه مثل: أوثق الناس، أو إليه
المنتهى في التثبت.
* ثم ما تأكد بصفة، أو صفتين مثل: ثقة ثقة أو ثقة ثبت، أو نحو ذلك.
* وأدناها: ما أشعر بالقرب من أسهل الجرح مثل: صالح، أو مقارب، أو
يروى حديثه، أو نحو ذلك، وبين هذا مراتب معلومة.
د - ويشترط
لقبول التعديل شروط أربعة:
1- أن يكون من عدل؛ فلا يقبل من فاسق.
2- أن يكون من متيقظ؛ فلا يقبل من مغفل يغتر بظاهر الحال.
3- أن يكون من عارف بأسبابه؛ فلا يقبل ممن لا يعرف صفات القَبول
والرد.
4- أن لا يكون واقعاً على من اشتهر بما يوجب رد
روايته من كذب، أو فسق
ظاهر، أو غيرهما.
تعارض الجرح والتعديل:
أن يذكر الراوي بما يوجب رد روايته، وبما يوجب قبولها، مثل أن يقول
بعض العلماء فيه
إنه ثقة، ويقول بعض إنه ضعيف.
ب - وللتعارض أحوال أربع:
الحال الأولى:
أن يكونا مبهمين؛ أي: غير مبين فيهما سبب الجرح أو التعديل، فإن قلنا بعدم
قَبول الجرح المبهم أخذ بالتعديل، لأنه لا معارض له في الواقع، وإن قلنا بقَبوله - وهو الراجح - حصل
التعارض، فيؤخذ بالأرجح منهما؛ إما في عدالة قائله، أو في معرفته بحال الشخص، أو
بأسباب الجرح والتعديل، أو في كثرة العدد.
الحال
الثانية:
أن يكونا
مفسَّرين؛ أي مبيناً فيهما سبب الجرح والتعديل، فيؤخذ بالجرح؛ لأن
مع قائله زيادة علم، إلا أن
يقول صاحب التعديل: أنا أعلم أن السبب الذي جرحه به قد زال؛ فيؤخذ حينئذٍ بالتعديل؛ لأن
مع قائله زيادة علم.
الحال الثالثة:
أن يكون التعديل مبهماً؛ والجرح مفسَّراً فيؤخذ بالجرح لأن مع
قائله زيادة علم.
الحال
الرابعة:
أن يكون الجرح مبهماً، والتعديل مفسَّراً، فيؤخذ بالتعديل لرجحانه.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتطيب الأوقات، وصلى الله
وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
كتبه أفقر
خلق الله إلى عفوه
أبو جهاد سمير الجزائري
مدينة
بلعباس
في :1 ربيع الثاني
1430
27 مارس
2009م